هل يواجه المغرب صدمة اقتصادية جراء تصاعد الأزمة الإقليمية؟

اقتصاد الشرق
شرارة جديدة تضاف إلى منطقة كانت بالفعل على حافة الانفجار. منذ يوم الجمعة 13 يونيو، يشهد الشرق الأوسط موجة جديدة من العنف. ضربات إسرائيلية استهدفت منشآت عسكرية إيرانية، مما أثار رد فعل فوريًا من طهران. هذا التصاعد للتوتر في واحدة من أكثر بؤر الطاقة حساسية في العالم جعل الأسواق ترتجف على الفور.
في غضون أيام قليلة، ارتفع سعر برميل النفط من نوع “برنت” من 62 إلى 73 دولارًا، قفزة تقارب 15%. الصدمة واضحة، وإن كانت محدودة حتى الآن. لكن القلق حقيقي. “لا نعرف إلى أين ستتجه الأمور. إذا تدخلت قوى أخرى أو إذا أغلقت إيران مضيق هرمز، سنتجاوز بسهولة حاجز 100 دولار للبرميل”، يحذر مصطفى لبراك، المدير العام لشركة “إنيرجيسيوم” للاستشارات والأمين العام لاتحاد الطاقة.
توازن طاقي هش
في الوقت الحالي، تبقى أساسيات السوق متوازنة بشكل عام. الوكالة الدولية للطاقة (IEA) أشارت في تقريرها الصادر يوم 17 يونيو حول سوق النفط إلى أن العرض العالمي يتجاوز الطلب قليلاً: 105 ملايين برميل تنتج يوميًا مقابل 103.8 مليون برميل مستهلكة. المخزونات في ارتفاع (+93 مليون برميل في مايو)، وهو ما يشكل عازلًا مرحبًا به في مواجهة عدم اليقين.
لكن هذا التوازن هش للغاية. فخلف الأرقام، يلوح خطر لوجستي: إغلاق مضيق |أورمز، الذي يمر عبره حوالي 20% من الإمدادات العالمية للنفط (أي حوالي 20 مليون برميل يوميًا)، قد يعطل سلسلة التوريد بأكملها. “هذا هو الخوف الأكبر. إذا شعرت إيران بأنها محاصرة، قد تستخدم هذه الورقة الاستراتيجية. وعندها سترتفع الأسعار بشكل جنوني”، يحذر لابراك.
من جانبها، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة إمكانية اللجوء إلى احتياطياتها الاستراتيجية (المقدرة بـ1.2 مليار برميل)، كما حدث في 2022. لكن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تعتبر هذا الخيار سابقًا لأوانه، وتستمر في تأكيد أن أساسيات السوق قوية وأن العرض كافٍ.
“نتوقع ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الوقود خلال الأسابيع المقبلة”
في المغرب، حيث يتم استيراد جميع المنتجات المكررة، قد يظهر التأثير بسرعة. المملكة، التي تفتقر إلى وحدات التكرير منذ توقف شركة “سمير”، معرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار النفط الخام. “حتى لو لم يكن التأثير فوريًا، يمكننا توقع ارتفاع ملحوظ في أسعار الوقود خلال الأسابيع المقبلة، خاصة مع زيادة الطلب بسبب موسم العطلات”، يتوقع الخبير.
وكشف موزعو الوقود في المغرب، أنهم يتوقعون بالفعل زيادة تتراوح بين 50 و80 سنتيمًا للتر الواحد، سواء للبنزين أو الديزل، اعتبارًا من نهاية يونيو إذا استمرت الأسعار عند مستوياتها الحالية. هذه الزيادة قد تعيد إطلاق النقاش حول عودة الدعم المباشر لمهنيي النقل، الذي تم إلغاؤه مطلع العام، أو حتى حول إنشاء مخزون استراتيجي وطني.
الشحن البحري: فاتورة تنفجر
لكن النفط ليس سوى الموجة الأولى من الصدمة. النزاع الإسرائيلي-الإيراني يهدد أيضًا الطرق البحرية الدولية، خاصة تلك التي تمر عبر مضيق أورمز، الممر الاستراتيجي لتصدير النفط ولكثير من البضائع القادمة من آسيا. هذا الخطر الجيوسياسي المتصاعد، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة، يتسبب في ارتفاع تكاليف النقل عالميًا.
في المغرب، حيث أكثر من 90% من التبادلات التجارية تتم عبر البحر، سلاسل التوريد معرضة مباشرة. الضغط على الشحن البحري ليس وليد الأزمة الحالية. رشيد التاهري، الأمين العام لاتحاد النقل واللوجستيك (FTL-CGEM)، يذكر أن “الأسعار تضاعفت في الأسابيع الأخيرة، من 3500 دولار إلى أكثر من 6000 دولار للحاوية”. هذا الارتفاع سببه في البداية اندفاع المستوردين لتخزين البضائع بعد إعلان دونالد ترامب عن تجميد الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة لمدة ثلاثة أشهر.
لكن الحرب التي اندلعت حديثًا في الشرق الأوسط قد تزيد من حدة هذا الاتجاه الصعودي. شركات الشحن تتوقع استمرار الارتفاع، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وزيادة أقساط التأمين في مناطق النزاع والانحرافات المحتملة إذا أغلق مضيق أورمز. “نخشى أن نعيش مرة أخرى سيناريو مشابه لأزمة كوفيد أو أزمة البحر الأحمر، مع تضاعف فترات التسليم وتكاليف إضافية كبيرة”، يحذر التاهري. “والشركات المغربية، سواء المستوردة أو المصدرة، هي التي ستدفع الفاتورة”، يضيف.
سلاسل التوريد تحت الضغط
الصناعة المغربية، خاصة في قطاعات رئيسية مثل السيارات والزراعة الغذائية والنسيج، قد تكون من أكبر الضحايا غير المباشرة للنزاع. هذه القطاعات مرتبطة بشدة بسلاسل التوريد العالمية، وبالتالي فهي حساسة للاضطرابات اللوجستية.
التوترات الحالية تؤثر على التكاليف وعلى انتظام عمليات التسليم. من ناحية، ارتفاع أسعار الشحن يزيد من أعباء الصناعيين المغاربة. ومن ناحية أخرى، تأخير عمليات التسليم وعدم اليقين يجعلان التوريدات أقل قابلية للتنبؤ ويضعفان التخطيط.
في قطاع تصنيع كابلات السيارات، حيث سلاسل التوريد مضغوطة للغاية، حتى تأخير بضعة أيام قد يعطل خطوط التجميع. وقال صناعيون: “نعمل بسلاسل توريد مشدودة للغاية. إذا تأخرت الشحنات بضعة أيام فقط، سيختل نظامنا. وإذا استمرت تكاليف النقل في الارتفاع، فقد يؤثر ذلك مباشرة على تنافسيتنا”.
في النهاية، هذه التكاليف الإضافية لن تتحملها الشركات وحدها. سيتم نقلها عاجلاً أم آجلاً إلى المستهلك النهائي. “شركات الشحن والصناعيون لن يتمكنوا من تحمل هذه الزيادات المتتالية وحدهم. المستهلك هو الذي سيدفع الثمن في النهاية”، يحذر رشيد التاهري. هذا الضغط على الأسعار قد يغذي موجة تضخمية جديدة في المغرب، في ظل وضع اقتصادي هش بالفعل.
السياحة: شبح التباطؤ
قطاع السياحة، الذي كان يتعافى منذ أزمة كوفيد-19، يخشى أن تتباطأ الزخم الذي شهده في الأشهر الأخيرة. رغم أن المغرب ليس طرفًا مباشرًا في النزاع، إلا أنه قد يتأثر بردود الفعل النفسية في بعض الأسواق المصدرة للسياح، خاصة الأوروبية، الحساسة تقليديًا للتوترات الإقليمية.
أي تصعيد في الشرق الأوسط يعزز تصور عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل، حتى لو كان الخطر الفعلي بعيدًا عن المغرب.
حتى الآن، لم تُسجل إلغاءات جماعية أو تراجع في الحجوزات. لكن العاملين في القطاع يراقبون الموقف عن كثب، خوفًا من تأثير الدومينو. “المغرب يُنظر إليه كوجهة مستقرة، لكن أي تصعيد إقليمي يؤثر على الصورة العامة للمغرب العربي والشرق الأوسط. يكفي إغلاق المجال الجوي أو تحذير سفر لتبدأ الإلغاءات”، يخشى فندقي من مراكش.
بورصة الدار البيضاء تترنح
حتى بورصة الدار البيضاء لم تسلم من الهزات الجيوسياسية. بعد يوم من الضربات الإسرائيلية على إيران، تراجع مؤشر “MASI” بنسبة 1.18%، بسبب تخوف المستثمرين من اتساع رقعة النزاع. هذا التراجع استمر في الأيام التالية، مع انخفاض الافتتاح بنسبة 0.68% يوم الخميس 19 يونيو، مما أثر على الشركات الكبرى والصغيرة المتداولة.
القطاعات الصناعية والمصرفية والعقارية كانت الأكثر تضررًا. بنك “CFG” تراجع بنسبة 2.76%، و”جيت كونتراكتورز” بنسبة 2.77%، و”لافارج هولسيم المغرب” بنسبة 2.6%. هذه الانخفاضات تعكس تخوف المستثمرين من عدم اليقين الجيوسياسي وخطر التصعيد الإقليمي.
رد فعل الأسواق يعكس خوفًا متزايدًا من أن يؤدي التصعيد العسكري في الشرق الأوسط إلى صدمة نفطية ممتدة، وعدم استقرار في التبادلات التجارية، وموجة تضخم. في الخلفية، يخشى المتعاملون من عدم اليقين، الذي يضاف إلى وضع دولي متوتر بالفعل بسبب السياسات النقدية المشدودة وانخفاض الطلب العالمي. بالنسبة للمحللين، المغرب ليس في أزمة، لكن الأسواق تتوقع الأسوأ. وهي لا تحب عدم اليقين.
السيادة موضع تساؤل
“الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل كبير على الخارج، مما يجعله غير محصن ضد تأثير الدومينو لأي نزاع كبير”
في مواجهة هذا الوضع، هامش المناورة ضيق. على المدى القصير، يتعلق الأمر بتعزيز المرونة اللوجستية، بتنويع الطرق التجارية وزيادة المخزونات الاستراتيجية.
لكن على المدى المتوسط، تكشف الأزمة عن نقاط الضعف الهيكلية للاقتصاد المغربي، خاصة الاعتماد على الطاقة. “نحن في وضع نعاني فيه أكثر مما نتحكم. الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل كبير على الخارج، مما يجعله غير محصن ضد تأثير الدومينو لأي نزاع كبير. يجب أن نأمل في الأفضل… لكن نستعد للأسوأ”، يؤكد رشيد التاهري، الذي يعتبر أن هذه الأزمة يجب أن تدفع إلى إعادة التفكير في الاستقلالية الاستراتيجية.
لأنه بعد الصدمة المباشرة، يبقى عدم اليقين هو السائد. إلى أي مدى قد يمتد هذا النزاع؟ وما تداعياته الاقتصادية العالمية؟ بالنسبة لبعض المراقبين، الخوف الأكبر ليس من ارتفاع الأسعار، بل من خطر الانهيار المفاجئ. “طالما بقي النزاع محدودًا، يمكن امتصاص التأثيرات. لكن بأي تطور — إغلاق المضيق، تدخل الولايات المتحدة — سيشعر العالم كله بالتداعيات. والمغرب لن يكون استثناء”، يحذر مصطفى لبراك.