معدل الخصوبة في المغرب يهبط دون مستوى التجديد السكاني

اقتصاد الشرق
معدل إنجاب دون عتبة التجديد السكاني
كشفت بيانات حديثة صادرة عن تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2025 عن تراجع ملحوظ في معدل الخصوبة بالمغرب، حيث بلغ 1.97 طفل لكل امرأة في عام 2024، أي أقل من الحد الأدنى اللازم لضمان تجدد الأجيال والمقدر بـ2.1. ورغم أن هذا التراجع يعد ظاهرة عالمية، فإن الوضع في المغرب يسلّط الضوء على أزمة أعمق تتجاوز الأرقام، إذ تعكس صعوبة تحقيق الأسر للأحلام الإنجابية التي تطمح إليها.
رغبة الإنجاب تصطدم بعوائق اقتصادية
أظهر التقرير أن ثلث المغاربة ممن تجاوزوا سن الخمسين لم يتمكنوا من إنجاب العدد الذي كانوا يطمحون إليه من الأبناء، وأرجع 47% منهم السبب إلى الضغوط الاقتصادية. كما أن 37% من المشاركين أشاروا إلى عدم قدرتهم على الإنجاب في الوقت الذي خططوا له، وهي نسبة تفوق المعدل العالمي الذي يقف عند 23%. هذه المعطيات تكشف بوضوح عن مدى تأثير الظروف الاقتصادية على قرارات الإنجاب لدى الأسر المغربية.
ارتفاع معدلات الحمل غير المرغوب فيه وضعف البنية الصحية
مما يزيد الوضع تعقيدًا، يسجل المغرب معدلًا مرتفعًا للحمل غير المخطط له بنسبة تصل إلى 51%، مقارنة بـ31% في البلدان الأخرى المشمولة بالتقرير. هذا الواقع يعكس هشاشة في منظومة الصحة الإنجابية، لا سيما في صفوف الفئات المهمشة، حيث يظل الوصول إلى الخدمات والمعلومات الصحية محدودًا، ما يزيد من التحديات التي تواجه النساء والأسر عمومًا.
الخوف من المستقبل يحاصر الأحلام الأسرية
لا تقتصر العوائق على الجانب المادي فقط، بل يمتد أثرها إلى الجانب النفسي والاجتماعي. فقد صرح 20% من المستجوبين أنهم تخلوا عن جزء من تطلعاتهم الأسرية بسبب انعدام الاستقرار المالي والغموض الذي يكتنف المستقبل. لم يعد قرار الإنجاب يُتخذ بسهولة كما في الماضي، بل صار مرتبطًا بتوافر فرص العمل، وإمكانية الحصول على سكن لائق، وثقة المواطنين في مستقبلهم ومؤسساتهم.
دعوة إلى سياسات أسرية شاملة بدلًا من التركيز على مؤشرات الخصوبة
التقرير الأممي يشدد على ضرورة إعادة صياغة السياسات السكانية بالمغرب، بالتركيز على تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات إنجابية حرة ومستنيرة. ويقترح توفير بيئة معيشية ملائمة تشمل إجازات والدية عادلة، وخدمات صحية شاملة، ودعما ماليا وإسكانيًا يُخفف من وطأة التكاليف المعيشية، ويمنح الأسر القدرة على التخطيط بحرية ومسؤولية. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في عدد المواليد فقط، بل في التفاوت الكبير بين طموحات المواطنين والواقع الذي يعيشونه.
نحو رؤية شاملة لحل الأزمة
أزمة الخصوبة في المغرب ليست مجرد قضية ديموغرافية، بل مرآة تعكس خللًا أعمق في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ولتجاوز هذا المنعطف، تحتاج الدولة إلى مقاربة شمولية تراعي الحقوق الفردية، وتضمن المساواة في الوصول إلى الفرص والخدمات، وتضع رفاه الأسرة في صلب السياسات العامة. وحده هذا النهج كفيل بإعادة التوازن السكاني وتحقيق تنمية بشرية مستدامة.