“مرحبا 2025”.. بين الأرقام القياسية وتحديات الانتظار

اقتصاد الشرق
رغم ما يرافقها من انتقادات مزمنة وتحديات لوجستية متكررة، تواصل عملية “مرحبا” ترسيخ مكانتها كواحدة من أضخم وأنجع العمليات العابرة للحدود على مستوى العالم، سواء من حيث الحجم أو من حيث رمزيتها العاطفية والوطنية لدى ملايين المغاربة المقيمين بالخارج.
في هذا السياق، عبّر وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، خلال زيارة ميدانية أجراها مؤخرًا إلى ميناء طريفة بجنوب إسبانيا، عن إعجابه الكبير بسير العملية، معلنًا أن نسخة 2025 سجلت رقمًا قياسيًا جديدًا في أعداد المسافرين والمركبات المتجهة جنوبًا عبر مضيق جبل طارق. وأوضح المسؤول الإسباني أن عدد المسافرين ارتفع بنسبة 5.6% مقارنة بصيف 2024، فيما سجلت المركبات ارتفاعًا بـ6.9%، مرجحًا أن يكون هذا الموسم هو الأكبر منذ انطلاق المبادرة في العام 1986.
المغرب في قلب التنسيق الميداني
اللافت في تصريحات مارلاسكا لم يكن فقط الأرقام، بل الاعتراف الصريح بالدور المحوري الذي يلعبه المغرب في إنجاح هذه العملية السنوية المعقدة. فقد شدّد على “أهمية التنسيق المثالي والدائم مع الشريك المغربي”، مؤكدًا أن النجاح الميداني الذي يُسجل على الأرض لا يمكن أن يتحقق دون تعاون وثيق يمتد من تدبير الموانئ إلى تنظيم تدفق العابرين.
وفي هذا الإطار، كشف الوزير الإسباني عن لقاءات جمعته مع القنصل العام للمملكة المغربية، إلى جانب ممثل مؤسسة محمد السادس التي تُرافق الجالية وتقدم خدمات الدعم الإداري والاجتماعي، في محاولة لتيسير رحلتهم والتقليل من أعباء العبور.
عملية عابرة للقارات… بوجوه متعددة
تجاوزت عملية مرحبا منذ سنوات بعدها الموسمي، لتتحول إلى عملية ضخمة شبه قارية، تُحشد لها سنويًا أكثر من 29 ألف عنصر يمثلون مختلف أجهزة الأمن، الصحة، الهلال الأحمر، المترجمين، والمساعدين الاجتماعيين. كما تُشارك فيها 20 مؤسسة رسمية إسبانية وتسع موانئ بحرية، من بينها ميناءا سبتة ومليلية المحتلتان، اللذان لا يزالان يرمزان إلى واقع معقد يرتبط بالسيادة والحدود بين المغرب وإسبانيا.
لكن في مقابل خطاب الأرقام القياسية الذي ترفعه مدريد، تنقل بعض وسائل الإعلام الإسبانية، مثل صحيفة “الفارو دي سبتة”، أصواتًا أقل ترحيبًا. إذ عبّر عدد من المعلقين عن استيائهم مما وصفوه بـ”الازدحام والتلوث والتجاوزات القانونية”، متسائلين عن العائد الاقتصادي الحقيقي من عبور ملايين الأشخاص لا يستهلكون شيئًا داخل التراب الإسباني.
الوجه الآخر للعملية: معاناة يومية وهمٌّ إنساني
من جهة أخرى، لا تُعير الجالية المغربية في الخارج اهتمامًا كبيرًا للإحصائيات أو التصريحات الرسمية، بقدر ما تنشغل بتفاصيل العبور اليومية: طوابير الانتظار الطويلة، ضعف البنيات التحتية، مزاجية بعض عناصر التفتيش، وأحيانًا، المعاملة البيروقراطية القاسية خاصة في نقطتي العبور بسبتة ومليلية، حيث لا تزال بعض الممارسات تُذكّر بتاريخ استعماري لم يُطوَ بعد بالكامل.
ورغم هذه المشاق، لا يتراجع ملايين المغاربة عن خوض هذه الرحلة السنوية التي باتت تشبه طقسًا جماعيًا للانتماء والوفاء. ففي كل صيف، وعلى امتداد موانئ أوروبا، يُعيد مغاربة المهجر تأكيد ارتباطهم بجذورهم، وكأنهم يقولون رغم كل شيء:
“قد نُستقبل بجفاء، نُفتّش بشبهات، ويُعامل بعضنا بتمييز… لكن دموع أمهاتنا عند الوصول، تَمسح كل تعب، وتُعيد ترتيب معنى الوطن.”
بين الأمل والانتظار…
ويبقى التحدي الأبرز اليوم، ليس فقط في إنجاح “مرحبا” على المستوى اللوجستي، بل في تحويلها إلى تجربة إنسانية تليق بمغاربة العالم، وتُجسد احترامًا فعليًا لكرامتهم وارتباطهم بالوطن.
فالوطن لا يُقاس فقط بعدد السيارات العابرة، بل بمدى حفاوته بأبنائه، حيثما كانوا.