وطنية

إعادة هيكلة قطاع النسيج لمواجهة المنافسة التركية وتعزيز القيمة المضافة

اقتصاد الشرق

بصادرات تبلغ قرابة 45 مليار درهم سنوياً، تظل صناعة النسيج والملابس ركيزة أساسية لـ”صنع في المغرب” وممتصاً رئيسياً للصدمات الاجتماعية: فهي توفر فرص عمل لأكثر من 235 ألف شخص، 80% منهم من النساء.

لكن هذه الدينامية تخفي هشاشة هيكلية: 90% من المدخلات مستوردة، مما يعرض القطاع لتقلبات الخارج ومنافسة متزايدة في أسواقه التقليدية. في هذه اللعبة التجارية، تحتل تركيا موقعاً خاصاً. منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ عام 2006، اتسعت التبادلات التجارية الثنائية، لكن على حساب خلل مزمن يضر بالإنتاج المحلي.

اليوم، يقترب العجز التجاري المغربي مع تركيا من 3 مليارات دولار، مما يضع أنقرة ضمن المساهمين الرئيسيين في اختلال الميزان التجاري للمملكة، إلى جانب الولايات المتحدة والصين. في هذا السياق، يعد قطاع النسيج الأكثر تأثراً: إن تدفق الواردات الضخمة من الأقمشة التركية يغرق السوق المحلية، مما يؤدي إلى تآكل الحصص السوقية وتقليص هوامش أرباح الصناعيين. وفي نموذج لا يزال يهيمن عليه نظام المقاولة الفرعية والاعتماد على المدخلات الأجنبية، تزيد الضغوط التنافسية من هشاشة الوظائف والقيمة المضافة المحلية.

الخروج من المواجهة المباشرة

في مواجهة هذه المنافسة، ردت الرباط عام 2020 بفرض رسوم جمركية تصل إلى 90% على عدة فئات من المنتجات النسيجية التركية، مصحوبة بإجراءات مضادة للإغراق على بعض الأجهزة الكهربائية.

الهدف: كبح تدفق المنتجات منخفضة السعر، وحماية الجهاز الإنتاجي الوطني، والحفاظ على فرص العمل المحلية. إنه رد قوي لكنه غير كافٍ لعكس الاتجاه. وللخروج من المواجهة المباشرة، يريد المغرب المضي قدماً بإعادة تحديد استراتيجيته التجارية. في هذا السياق، مثلت اللجنة المختلطة المغربية-التركية السادسة، التي عقدت في 23 يونيو 2025 بأنقرة، منعطفاً حاسماً. بدلاً من التشكيك في اتفاقية التجارة الحرة، اختار الشريكان طريق إعادة التوازن العملي.

تم تحديد عدة محاور: توسيع الصادرات المغربية إلى تركيا، خاصة في الزراعة والصناعة الزراعية والصيد. كما يشمل ذلك حث العلامات التجارية التركية العاملة في المغرب مثل “بيم” على تعزيز مصادر التوريد المحلية، ومراجعة قائمة المنتجات المستثناة أو الخاضعة لإجراءات حماية مشددة.

لدعم هذه الانطلاقة، اتفقت الرباط وأنقرة على إنشاء “منتدى مغربي-تركي للاستثمار والأعمال” خلال العام الجاري، مصحوباً بآلية تشاور مباشر لرفع العقبات الإدارية أو الفنية بسرعة.

في الواقع، تم تحديد الهدف في رفع التبادل التجاري الثنائي إلى 5 مليارات دولار، ولكن على أساس أكثر توازناً وقادراً على خلق القيمة. وراء هذا الطموح الرقمي، تكمن أولوية صناعية وهي كسر الاعتماد المفرط على المدخلات المستوردة وإدماج أوسع للنسيج المغربي في سلاسل القيمة الإقليمية.

تعزيز حضور “صنع في المغرب”

على الأرض، بدأت الدينامية بالفعل. من تنظيم بعثات أعمال بين الشركات في تركيا، إلى تعزيز حضور “صنع في المغرب” لدى كبار المشترين الدوليين، وصولاً إلى تعزيز الشراكات مع مجموعات مثل “هيغو بوس”، يضاعف اتحاد “أميث” المبادرات لتنظيم القطاع.

في وقت تشهد فيه العولمة التجارية توتراً، يريد المغرب إعادة ضبط علاقته مع تركيا للدفاع عن مصالحه الصناعية وحماية العمالة المحلية. حماية الهوامش، تأمين منافذ البيع، والرهان على الجودة: خارطة الطريق واضحة. ولم يبق سوى ترجمتها على أرض الواقع.

الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون والارتقاء بالسلسلة: رهان حيوي

في الوقت نفسه، يدرك القطاع أنه يجب عليه تسريع تحوله للحفاظ على تنافسيته. فالتطبيق الوشيك لآلية ضبط الكربون عند الحدود (MACF) من قبل الاتحاد الأوروبي سيفرض معياراً جديداً: دون خفض كبير للبصمة الكربونية، تخاطر الشركات بفقدان أسواق التصدير. بالفعل، بدأت بعض الوحدات الصناعية في وضع المعايير: غلايات الكتلة الحيوية، استعادة الحرارة، أنظمة التتبع الرقمي. يدفع اتحاد “أميث” والمدرسة العليا لصناعة النسيج والملابس والمركز التقني للنسيج والملابس القطاع لاعتماد معايير ESG (البيئية والاجتماعية والحوكمة) لترسيخ مكانة “صنع في المغرب” بشكل دائم في الأسواق المتطلبة.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button