الذكاء الاصطناعي في المغرب.. بين رهانات الإنتاجية وتحديات الحماية

اقتصاد الشرق
موجة الذكاء الاصطناعي تحمل آمالاً غير محدودة في تعزيز الإنتاجية بالمؤسسات والمصانع. كما تجلب في أعقابها محفزات للأنشطة اليومية وفرصًا متعددة في مجالات مختلفة، إلى جانب تقليص المهام الشاقة والمتكررة في قطاعات النقل، الزراعة، الخدمات، الصحة، الاتصالات… وفقًا لنتائج تقرير حديث لشركة “أكسنشر” (شركة استشارية عالمية مقرها دبلن بأيرلندا): “بحلول عام 2035، قد تزيد إنتاجية العمل في بعض الدول المتقدمة بنسبة تصل إلى 40% بفضل الذكاء الاصطناعي”.
لكن في المقابل، يحمل الذكاء الاصطناعي مخاطر عالية لتفاقم كثافة المهام وزيادة الرقابة على الإنتاج والأفراد. مما يستدعي إطارًا تنظيميًا وأخلاقيًا عاجلًا لحماية حقوق الإنسان وخاصة البيانات الشخصية. قبل أربع سنوات، أجرت المفوضية الأوروبية مشاورات موسعة مع المواطنين والنقابات والشركات والمنظمات غير الحكومية. وفي ختام هذه المشاورات، خلصت المفوضية إلى أن “بسبب غموضه وتعقيده واعتماده على البيانات وسلوكه المستقل… قد ينتهك الذكاء الاصطناعي عددًا من الحقوق المنصوص عليها في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي”.
وهو ما يعني أن “سياسة السماح بكل شيء لم تعد هي القاعدة في الاتحاد الأوروبي”. اليوم، كل المؤشرات تدل على أن القواعد التي تم وضعها في الاتحاد الأوروبي سيتم تكرارها أو على الأقل ستكون لها تداعيات عالمية. وهذا سينطبق بالتأكيد على دولة مثل المغرب التي تربطها علاقات جوار جيدة مع الاتحاد الأوروبي في إطار تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. في هذه الحالة، ليس أمام المغرب خيار سوى الانسجام مع التوجيهات الأوروبية عبر تبني نفس السياسة لتنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي المصنفة “عالية الخطورة”، والتي لن يُسمح باستخدامها في دول الاتحاد الأوروبي.
في السياق نفسه، دعت أمال الفلاح سغروشني، الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي، مؤخرًا إلى نشر مسؤول للذكاء الاصطناعي يسهر على أخلاقيات و استخدامه الفعال.
وأوضحت الوزيرة خلال كلمتها في “المنتدى البرلماني الاقتصادي الثالث” بمراكش في ماي الماضي أن الذكاء الاصطناعي “يشكل قطيعة تكنولوجية كبرى ويقدم إمكانات هائلة يجب توظيفها لخدمة المصلحة العامة”. كما أكدت على الحاجة الملحة لتقوية الإطار التشريعي والتنظيمي لمراقبة تطور الذكاء الاصطناعي الذي يتوسع بسرعة هائلة في جميع المجالات.
التوظيف: ما وراء الصور النمطية
يثير القضاء على الآلاف من الوظائف بفعل الذكاء الاصطناعي قلقًا متزايدًا. لكن في هذه المرحلة، هذا الأمر لم يتحقق بعد. ما يتأكد منه الخبراء حاليًا هو ظهور وتطور مهن وأنشطة جديدة حول العالم. ويرجع هذا بشكل أساسي إلى توفير الوقت وتسريع الإنجاز بفضل الذكاء الاصطناعي عبر معالجة المهام البسيطة تلقائيًا. وفقًا لدراسة حديثة، “يؤثر الذكاء الاصطناعي على 1% فقط من نطاق أنشطة الموظفين”. وبالتالي، من السابق لأوانه الحديث عن استبدال واسع النطاق للأنشطة في الشركات والمهن. يرى العديد من الخبراء أن “تأثير الذكاء الاصطناعي على التوظيف يصعب قياسه جدًا”، لأن التجربة حتى الآن تُظهر أنه لا يؤدي إلى إلغاء الوظائف. بل على العكس، وفقًا للدراسة نفسها، يخلق الذكاء الاصطناعي مهنًا جديدة، خاصة في تحليل وصيانة وإثراء البيانات. بالإضافة إلى ذلك، الأشخاص الذين ينتجون البيانات هم أنفسهم من يعالجونها ويحللوها. مما يؤدي إلى توسيع نطاقات المهارات أكثر من أي وقت مضى.