إنشاء مركز دولي للعلوم الصحية بوجدة لتعزيز البحث والتعاون الأفريقي

اقتصاد الشرق
شهد قطاع الصحة في المغرب مؤخرًا تعزيزًا مهمًا من خلال إنشاء المركز الدولي للبحث متعدد التخصصات في العلوم الصحية (CIRMSS)، وذلك لمواكبة التحولات التي يشهدها قطاع الصحة العمومية. أُطلق المركز في مدينة وجدة خلال هذا الشهر، ويخطط لافتتاح فروع له في عدة مدن مغربية إضافة إلى دول أفريقية أخرى.
يرأس المركز الأستاذ ريان بوعزاوي، المكلف بالتوجيه العلمي والاستراتيجي، ويهدف المركز إلى أن يكون أداة تكامل علمية تجمع بين الكفاءات الأفريقية والدولية حول قضايا صحية مشتركة، مع مراعاة الواقع المحلي والأولويات الوطنية.
ويشكل المركز حلقة وصل استراتيجية بين البحث العلمي، والتكوين، والعمل العمومي، بما يتماشى مع الطموحات المغربية في مجال التنمية البشرية والإقليمية. من خلال مواءمة الأولويات الوطنية مع الديناميات الأفريقية والدولية، يسعى المركز لأن يصبح قطبًا مغربيًا للبحث الصحي مفتوحًا على إفريقيا وأوروبا، قادرًا على إنتاج معرفة علمية قابلة للاستخدام المباشر من قبل صانعي القرار.
وقال الأستاذ بوعزاوي، “لا يمكن أن تقتصر البحوث الصحية على النشر الأكاديمي فقط، بل يجب أن تنتج نتائج عملية تُثري القرارات العمومية، وتحسن أداء مؤسسات الرعاية الصحية، وتدعم الابتكار سواء كان تكنولوجيًا أو تنظيميًا أو إداريًا. يعتمد المركز منهجية متعددة التخصصات تشمل الطب، والتمريض، والصحة العمومية، واقتصاديات الصحة، والعلوم الاجتماعية، وإدارة المؤسسات الصحية.”
ويُعتبر اختيار وجدة والمغرب لإطلاق هذا المركز أمرًا استراتيجيًا، نظرًا لكون الباحثين في علوم الطب بالمدينة يساهمون بفاعلية في البحث والنشر العلمي. كما يتمتع المغرب بموقع محوري في المشهد الصحي الأفريقي، خاصة مع الإصلاحات الكبرى الجارية مثل تعميم التغطية الصحية الشاملة وإعادة تنظيم الحوكمة في المستشفيات، مع التركيز على جودة وأداء الخدمات الصحية. ويشكل المغرب مثالًا لكيفية الجمع بين التقدم الوطني والإشعاع القاري، وهو ما يوفر قاعدة صلبة لتنسيق البحث العلمي الصحي على مستوى إفريقيا، مستفيدًا من التجربة المغربية.
وأوضح الأستاذ بوعزاوي: “تواجه إفريقيا تحديات صحية غير مسبوقة، تشمل الانتقال الوبائي السريع، واستمرار الأمراض المعدية، وتفشي الأمراض المزمنة، والقيود المالية، والفوارق الإقليمية في الوصول إلى الخدمات الصحية.”
في هذا السياق، لا يمكن التفكير في البحث العلمي الصحي بشكل مجزأ أو محصور في إطار وطني فقط، بل يجب أن يكون جزءًا من منطق تعاون منظم، متوازن ومستدام، حيث تُسهم التجارب الوطنية، مثل تجربة المغرب، في إثراء السياسات الصحية الأفريقية وإلهامها.
التعاون جنوب-جنوب وجنوب-شمال
يشكل التعاون جنوب-جنوب ضرورة استراتيجية للجهات المغربية المختلفة والدول الأفريقية، نظرًا لتقاسمها تحديات مالية وتنظيمية ووبائية مشابهة.
وأشار المركز إلى أن توحيد الجهود البحثية وإنتاج بيانات علمية مشتركة يساعد على تقليل التكاليف وتعزيز فعالية السياسات الصحية.
وقد شرع المركز في إنشاء فروع له في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار، بهدف تكوين أقطاب إقليمية أفريقية تلبي الاحتياجات المحلية.
- فرع الكونغو الديمقراطية سيرأسه الأستاذ جوزيف موتو كوسارادي، متخصص في الإدارة والمالية.
- فرع كوت ديفوار سيرأسه الأستاذ كواكو فليسيا كوامي، أخصائي علم النفس.
وتواكب هذه الديناميكية الأفريقية تعاون جنوب-شمال، يقوم على شراكات علمية عادلة وبناء المعرفة بشكل مشترك. كما يتم تعيين نقاط اتصال في دول أفريقية وأوروبية لتسهيل المشاريع المشتركة، وتنقل الباحثين، والإشراف على الدكتوراه. ويبرز المغرب في هذا الإطار كنموذج ورائد، يوضح كيف يمكن للسياسات الوطنية الصحية والبحث العلمي أن تشكل مرجعًا ورافعة للمنطقة بأكملها.
تثمين الكفاءات الأفريقية
غالبًا ما يُنتج البحث حول إفريقيا دون إشراك إفريقيا نفسها، وهو أحد التحديات الأساسية لتثمين الكفاءات المحلية.
يسعى المركز إلى قلب هذا المنطق، من خلال وضع الباحثين الأفارقة في صميم الإنتاج العلمي وتشجيع التعاون الدولي العادل.
وعبر تنظيم ندوات، وتكوينات منهجية، ومؤتمرات، ومشاريع تعاونية، يعمل المركز على ظهور جالية علمية أفريقية قادرة على الحوار المتكافئ مع الشبكات الدولية.
ويؤكد المركز أن التعاون جنوب-جنوب وجنوب-شمال في الصحة ليس شعارًا فقط، بل ضرورة استراتيجية لبناء أنظمة صحية أكثر صلابة وعدالة وحكامة. ويهدف CIRMSS إلى جعل البحث العلمي مصلحة عامة تخدم التنمية الصحية لأفريقيا وتعزز إشعاعها العلمي.
نسخة الأسبوع من مجلتكم



