Revue Hebdo OrientalEco نسخة الأسبوع من مجلتكم
الإقتصادية OrientalEco
سياسة

سليمة فراجي تثير إشكالات القوة القاهرة والوقاية القانونية بعد فيضانات آسفي

اقتصاد الشرق

تُبرز الفيضانات باعتبارها إحدى أخطر الظواهر الطبيعية التي تواجهها دول العالم، سواء المتقدمة أو النامية، حجم التحديات المرتبطة بتسارع التغيرات المناخية وارتفاع وتيرة الظواهر الجوية القصوى. غير أن المقارنة بين التجارب المختلفة تُظهر أن الخسائر البشرية والمادية لا ترتبط فقط بشدة التساقطات أو بطابعها المفاجئ، بل تتأثر أيضاً بمدى جاهزية المنظومات القانونية والمؤسساتية، وبنجاعة سياسات الوقاية والتخطيط الاستباقي المعتمدة في تدبير المخاطر.

وفي هذا السياق، أعادت فيضانات مدينة آسفي إلى الواجهة نقاشاً قانونياً ومؤسساتياً حول حدود اعتبار الفيضانات قوة قاهرة، وحول مدى تفعيل التشريع المتعلق بالماء والوقاية من أخطار الفيضانات. ويأتي هذا النقاش، كما تؤكد الأستاذة سليمة فراجي، البرلمانية السابقة والمحامية بهيئة وجدة، في إطار تحليل هادئ وموضوعي لآليات تدبير المخاطر، بعيداً عن منطق الاتهام أو التبرير، خاصة عندما تخلف هذه الظواهر خسائر بشرية جسيمة وأضراراً مادية كبيرة.

الإطار القانوني للوقاية من أخطار الفيضانات في التشريع المغربي

وتوضح سليمة فراجي أن المشرع المغربي حاول، منذ سنوات، إرساء إطار قانوني وقائي لتدبير أخطار الفيضانات، من خلال مشروع القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، الذي تم تقديمه بتاريخ 23 دجنبر 2015 أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، من طرف الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء آنذاك، الأستاذة شرفات أفيلال. وقد قُدِّم هذا النص باعتباره مراجعة شاملة للتشريع السابق، استجابة للتحولات القانونية والمؤسساتية، ومواكبة للتوجهات الاستراتيجية الوطنية في مجال تدبير الموارد المائية.

وفي هذا الإطار، تضيف فراجي، أولى المشرع أهمية خاصة لموضوع الوقاية من الفيضانات وتدبير الظواهر القصوى المرتبطة بالماء، حيث نص الفصل 117 من القانون المذكور على منع إقامة البنايات أو التجهيزات أو الحواجز داخل الأراضي التي يمكن أن تغمرها المياه، إلا وفق شروط دقيقة تراعي السلامة العامة ومتطلبات الحماية.

كما ألزم الفصل 118 وكالة الحوض المائي المختصة بإعداد أطلس للمناطق المعرضة للفيضانات، ووضع مخططات للوقاية من أخطار الفيضانات بالنسبة للمناطق ذات الخطر المتوسط أو المرتفع، لمدة تمتد إلى عشرين سنة، وذلك بتنسيق مع الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ولجان العمالات والأقاليم للماء، كل في نطاق اختصاصه.

وتنسجم هذه المقتضيات، بحسب نفس المتحدثة، مع الفلسفة العامة لدستور 2011، ولا سيما ما يتعلق بحماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية، وضمان أمن الأشخاص والممتلكات، والحفاظ على البيئة.

فيضانات آسفي كحالة دراسية

وترى سليمة فراجي أن فيضانات مدينة آسفي تشكل نموذجاً دالاً على تعقيد العلاقة بين الظاهرة الطبيعية من جهة، ومستوى الاستعداد المؤسساتي والتقني من جهة أخرى. فقد أدت التساقطات المطرية الغزيرة التي عرفتها المنطقة إلى فيضانات مفاجئة أودت بحياة عشرات الأشخاص، حيث بلغ عدد الضحايا إلى حد الآن 37 ضحية، وألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية والممتلكات الخاصة والعامة.

وتؤكد أنه لا يمكن، من منظور علمي وقانوني، اختزال هذه الواقعة في بعدها الطبيعي فقط، خاصة وأن المدينة تُعد من المناطق التي تعرف تاريخياً تعرضاً متكرراً لمخاطر الفيضانات، ما يجعلها داخلة، من حيث المبدأ، ضمن نطاق التخطيط الوقائي طويل الأمد.

وتطرح هذه الحالة، بحسب فراجي، إشكالية الفجوة بين وجود الإطار القانوني وبين مستوى تفعيله، خصوصاً فيما يتعلق بمدى إنجاز وتحيين أطلس المناطق المعرضة للفيضانات، ونجاعة مخططات الوقاية في توجيه التعمير والبناء، إضافة إلى مستوى صيانة قنوات تصريف المياه والمنشآت المائية، وآليات التفاعل مع النشرات والإنذارات الجوية المبكرة.

القوة القاهرة وحدودها في ضوء قانون الالتزامات والعقود

وفي ما يخص تصنيف الفيضانات ضمن مفهوم القوة القاهرة، تشير سليمة فراجي إلى أن الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود عرّف القوة القاهرة بأنها كل أمر لا يمكن توقعه، كالظواهر الطبيعية من فيضانات وجفاف وعواصف، ويترتب عنه استحالة تنفيذ الالتزام.

غير أن نفس الفصل، وما استقر عليه الفقه والاجتهاد القضائي، يستبعدان اعتبار الواقعة قوة قاهرة إذا كان بالإمكان توقعها أو دفعها أو التخفيف من آثارها، أو إذا نتج الضرر عن خطأ سابق، أو عن غياب العناية الواجبة التي يفرضها منطق الحيطة والحذر.

وتبرز فراجي في هذا السياق أن التطور الذي عرفته أنظمة الأرصاد الجوية، واعتماد النشرات الإنذارية الاستباقية، يجعل من الممكن، في حالات عديدة، اتخاذ تدابير تقنية وتنظيمية للتقليص من المخاطر، من قبيل فتح وتطهير مجاري تصريف المياه، ومراقبة وصيانة القنوات والمنشآت المائية، وتنظيم حركة السير أو الإخلاء الوقائي عند الاقتضاء، إضافة إلى تعبئة مختلف المتدخلين في إطار تنسيق مسبق.

من منطق المسؤولية إلى منطق الحكامة الوقائية

وتخلص سليمة فراجي إلى أن تناول أخطار الفيضانات لا ينبغي أن ينحصر في البحث عن المسؤوليات أو في تبرير الأضرار بالقوة القاهرة، بل يقتضي اعتماد مقاربة شمولية تقوم على الحكامة الوقائية، التي تدمج بين النص القانوني، والتخطيط الترابي، والتدخل التقني، والتنسيق المؤسساتي.

وتُظهر التجارب الدولية المقارنة، بحسب فراجي، أن الدول التي نجحت في تقليص الخسائر الناتجة عن الفيضانات ليست تلك التي تفادت الظاهرة، بل تلك التي استثمرت في الوقاية، والتخطيط الاستباقي، وتحديث البنيات التحتية، وتفعيل القوانين المؤطرة لتدبير المخاطر.

ويُستنتج في ضوء هذا التحليل أن فيضانات آسفي، بما خلفته من خسائر مؤلمة، تبرز الحاجة إلى تعميق النقاش حول فعالية منظومة الوقاية من أخطار الفيضانات، ومدى تفعيل المقتضيات القانونية القائمة، بعيداً عن منطق الإدانة أو التبرير. فالقوة القاهرة تظل مفهوماً قانونياً قائماً، لكنها لا تلغي واجب الاستعداد، ولا تعفي من بذل العناية الواجبة لحماية الأرواح والممتلكات.

ويظل تعزيز ثقافة الوقاية، وتكريس التنسيق بين مختلف المتدخلين، وتفعيل آليات التخطيط المسبق، السبيل الأمثل للحد من آثار الفيضانات، وتحقيق التوازن بين احترام القانون، ومتطلبات السلامة، وحق المواطن في الحماية

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر العودة إلى الأعلى