الجهة

تطوير الغاز الطبيعي بالمغرب: تندرارة والمشاريع المستقبلية حتى 2030

اقتصاد الشرق

يشكل الانطلاق الوشيك لحقل تندرارة منعطفاً استراتيجياً للمغرب في مجال تطوير الغاز الطبيعي، خاصة وأن البلاد لم تكن تتوفر على موارد أحفورية كافية. هذه الخطوة المهمة تفتح الباب أمام اكتشافات غازية جديدة، وتعزز جاذبية المملكة أمام شركات النفط العالمية الكبرى للاستثمار في القطاع. غير أن هذا الاكتشاف وحده لن يكون كافياً لتلبية الطلب المتزايد على الغاز بحلول سنة 2030، مما يطرح تساؤلات حول المشاريع الأخرى المخطط لها.

اختار المغرب الغاز الطبيعي كطاقة أحفورية انتقالية، نظراً لانبعاثاته المنخفضة من غازات الاحتباس الحراري، كما أنه قابل للاستبدال مستقبلاً بالهيدروجين الأخضر عندما يصل هذا الأخير إلى مرحلة النضج التجاري. وفقاً لخارطة الطريق الوطنية للغاز الطبيعي للفترة 2025-2030، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز من 1.2 مليار متر مكعب حالياً إلى 8 مليارات متر مكعب بحلول 2027، وهو ما يتزامن مع دخول ميناء الناظور غرب المتوسط حيز الخدمة وتحويل عدة محطات كهربائية للعمل بالغاز مع زيادة طاقتها الإنتاجية.

من المنتظر أن يقفز الطلب إلى 12 مليار متر مكعب في أفق 2030، وهي السنة المرتقبة لافتتاح المحطة الأطلسية للغاز الطبيعي المسال في المحمدية أو الجرف الأصفر، والتي ستمثل نقطة الاستيراد الثانية بعد الناظور. هذا التضاعف العشري للطلب خلال خمس سنوات يفرض تأمين مصادر التزويد، خاصة في ظل التعقيدات المتزايدة لسوق الغاز العالمية.

من الواضح أن إنتاج حقل تندرارة ، الذي سيبلغ 400 مليون متر مكعب سنوياً بعد إتمام المرحلة الثانية، لن يغطي حتى الطلب الحالي. لذلك يراهن المغرب على أنبوب الغاز إفريقيا الأطلسي لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب بحلول 2030. مع إنشاء شركة مخصصة للمشروع مؤخراً، يتجه مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب نحو الهيكلة النهائية وتأمين التمويلات اللازمة.

تنتظر قرارات الاستثمار النهائية للمرحلة الأولى من المشروع بشقيها 1A و1B في نهاية 2025 أو بداية 2026، على أن يبدأ ضخ الغاز الأول بين 2029 و2030. تشمل هذه المرحلة بناء المقطع الجنوبي الذي يربط نيجيريا بغانا وساحل العاج، والمقطع الشمالي الذي يصل السنغال وموريتانيا بالمغرب. بفضل أنبوب الغاز المغرب-أوروبا، سيوفر المقطع الشمالي اتصالاً بالشبكة الأوروبية بحلول 2030 في انتظار الربط التدريجي مع المقاطع الوسطى والجنوبية.

خلال القمة العالمية Power-to-X المنعقدة يومي فاتح وثاني أكتوبر 2025، أكدت Oumy Khaïry Diao Diop، الأمينة الدائمة للطاقة بجمهورية السنغال، أن بلادها ملتزمة بتطوير البنية التحتية الغازية، بما في ذلك مشروع أنبوب الغاز إفريقيا الأطلسي الذي سيتيح تسويق الغاز المنتج مع موريتانيا من حقل GTA البحري بشكل مربح.

قد ترتفع احتياطيات الغاز في حقل تندرارة ، إذ لا تزال عدة تراكيب جيولوجية محتملة لم تُستكشف بالكامل بعد. تراهن شركة Mana Energy، المشغلة للمشروع، على موقعين محتملين قد يفرجان عن موارد محتملة تتراوح بين 12 و25 مليار متر مكعب حسب تقديرات النجاح المتوسطة والضعيفة.

لهذا الغرض، تخطط Mana Energy لحفر بئرين استكشافيتين: SBK-1 في رخصة تندرارة ، وM5 في رخصة Anoual. تجري حالياً مفاوضات للحصول على منصة حفر جديدة، في انتظار تراخيص وزارة الانتقال الطاقي. يستهدف حفر M5 في رخصة Anoual تركيبة مصيدة مشابهة في نفس الخزان المسمى TAGI، وهو خزان طيني رملي يعادل الخزان الذي أنتج حقول غاز ضخمة في الجزائر. رغم أن فرص النجاح متواضعة نسبياً، قد يفرج اكتشاف غازي عن إمكانات تبلغ 9 مليارات متر مكعب على الأقل.

أما البئر SBK-1 الواقع في رخصة تندرارة ، فيحظى بفرص نجاح أكبر. كان قد أنتج غازاً على السطح خلال اختبارات أُجريت سنة 2000، لكن في موقع اعتُبر غير مثالي. بعد إعادة التقييم، يستهدف الموقع الجديد للحفر خزاناً غازياً أكثر واعدية. في حال النجاح، يقدّر الغاز القابل للاستخراج من هذا البئر بما لا يقل عن 3.9 مليارات متر مكعب.

من جهتها، تنفذ شركة Chariot البريطانية استراتيجية جديدة تهدف إلى تطوير معاد تحجيمه لحقل Anchois لتسريع استغلاله. كما بادرت بعملية farmout لرخص Lixus وRissana البحريتين، إضافة إلى رخصة Loukous البرية، بحثاً عن شريك جديد لإعادة إحياء وتنشيط استكشاف الغاز بالمغرب.

في رخصة Lixus، وقريباً من الساحل، يمثل الموقع الغازي المحتمل Anguille إمكانات تبلغ 14 مليار متر مكعب. ينتظر عملية حفر لإثبات وجود الغاز وقابليته للاستغلال. إذا تأكد هذا الاكتشاف، قد يشكل مصدر إمداد إضافي يتيح تثميناً أفضل لحقل Anchois.

في رخصة Rissana، تدرس Chariot موقعين محتملين. الأول يقع عند مخروط غريني من نفس عمر حقل Anchois، والثاني قبالة القنيطرة يستهدف خزانات أقدم. كلاهما يقدم إمكانات تبلغ عدة مليارات من الأمتار المكعبة من المحروقات، لكن الحفر وحده سيؤكد وجودها وقابليتها للاستغلال.

يُذكر أن تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن إلى شركة مساهمة يتيح لهذه الهيئة، التي كانت محدودة سابقاً بدور ترويجي، القيام بوظيفة أكثر فاعلية عبر الاستثمار في مشاريع الاستكشاف ومشاركة المخاطر. من المتوقع أن يشجع هذا التطور مزيداً من المشغلين على الاستثمار في المغرب.

في الختام، يتضح أن المملكة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو مضاعفة استهلاكها من الغاز الطبيعي عشر مرات. رغم أن استغلال حقلي تندرارة و Anchois لن يغطي الزيادة المتوقعة في الطلب ابتداء من 2026، فإن المرحلة الأولى من أنبوب الغاز إفريقيا الأطلسي التي تربط السنغال بالمغرب ستلبي هذا الطلب في أفق 2030، مع إمكانية تصديره نحو أوروبا. في انتظار تشغيل ميناء الناظور غرب المتوسط وأنبوب الغاز إفريقيا الأطلسي، يتعين على الوزارة تأمين عقود توريد لمواكبة الزيادة المتوقعة خلال السنوات المقبلة، فيما تستمر الجهود لإطلاق موارد إضافية قد تصل إلى عشرات المليارات من الأمتار المكعبة.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button