شركة التنمية بركان: اختلاس مليار ونصف درهم يطيح بمسؤولين سابقين
اقتصاد الشرق
هزت فضيحة مالية كبرى شركة التنمية المحلية لمرافق بركان، بعد كشف التحقيقات عن اختلاس أموال عامة تتجاوز قيمتها مليار ونصف درهم. تورط في هذه القضية المدير العام السابق للشركة رشيد المرابط، إلى جانب عمر القصري الذي تقلد عدة مناصب قانونية وإدارية قبل توليه الإدارة العامة، بالإضافة إلى المقاول أحمد بورحيلة. هذه القضية تطرح تساؤلات جدية حول مدى فعالية الرقابة الداخلية والشفافية في تسيير مؤسسات التنمية المحلية بالجهة الشرقية.
قرر قاضي التحقيق بالغرفة الأولى بمحكمة الاستئناف بفاس، يوم الجمعة 26 شتنبر 2025، إيداع المتهمين الرئيسيين السجن المحلي بوركايز رهن الحبس الاحتياطي. فيما تمت متابعة أربعة أشخاص آخرين، بينهم أستاذ جامعي، في حالة سراح. التهم الموجهة إلى المتورطين تشمل خيانة الأمانة، اختلاس وتبديد أموال عمومية، والتزوير في محررات عرفية، وهي جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي بعقوبات ثقيلة.
أظهرت التحقيقات أن الاختلالات المالية شملت مشروعات استراتيجية كبرى بالإقليم. من بين هذه المشاريع بناء دار للشباب بميزانية سبعة ملايين درهم، وإعادة تأهيل المطرح السابق الزلاقة بمبلغ 13 مليون درهم. المبالغ المخصصة لهذه المشاريع صُرفت دون أي محاسبة أو توثيق رسمي، مما يعكس غياب الحد الأدنى من الرقابة المالية داخل المؤسسة. كما رصد المجلس الإداري تسجيل أصول ثابتة وهمية وفواتير مشبوهة، من بينها فاتورة أثاث مكتب بقيمة 35 ألف درهم.
كشف تقرير تدقيق الحسابات لسنة 2022 حجم الخروقات المالية التي عصفت بالشركة. التقرير سجل نقصا في رأس المال يناهز 5.9 مليون درهم، إضافة إلى خسائر صافية تجاوزت 10.9 مليون درهم. هذه الأرقام الصادمة تعكس سوء التسيير الفادح الذي أدى إلى تعطيل الأداء الاعتيادي للمؤسسة وهدد استمراريتها، في وقت كانت فيه مدينة بركان في حاجة ماسة إلى خدمات نوعية في مجال البنية التحتية والمرافق العمومية.
أكدت التحريات أن نفقات السيارات وآليات التنقل شهدت اختلالات كبيرة، بلغت نسبتها 63 في المائة من المبالغ المخصصة، مع غياب عقود الإيجار وعدم تحديد المستفيدين الفعليين. كما رصدت التحقيقات مصاريف فندقية ومبالغ مخصصة لأشخاص لا علاقة لهم بالشركة، وممارسات غير مشروعة لصالح أقارب المتهمين. من بين الحالات المثيرة للجدل فاتورة بلغت 112 ألف درهم لشركة تديرها شقيقة المتهم القصري، مما يعكس استغلال النفوذ الإداري لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام.
تضمن التحقيق أيضا كشف منح علاوات وتعويضات لأكثر من عشرين مستخدما بمبالغ تجاوزت 1.5 مليون درهم، وذلك رغم تسجيل الشركة خسارة صافية تفوق 5 ملايين درهم. الأمر الأكثر إثارة للريبة هو غياب أي وثائق تثبت هوية المستفيدين من هذه التعويضات، مما يطرح احتمالية وجود مستفيدين وهميين أو توزيع هذه الأموال على جهات غير مستحقة. كما رصد التقرير اختفاء أربع دراجات ثلاثية العجلات، وشراء أجهزة إلكترونية بمبالغ باهظة دون مبرر واضح.
بيّنت التحقيقات أن المشتبه فيهما الرئيسيين أنهيا عقود شغلهما من جانب واحد، دون تقديم الوثائق المحاسباتية أو التقارير الإدارية المطلوبة قانونا. هذا السلوك عزز الشبهات حول مسؤوليتهما المباشرة في تبديد المال العام ومحاولة إخفاء آثار الجريمة. مع تقدم الأبحاث، أوقفت المصالح الأمنية خمسة أشخاص إضافيين، بينهم مقاول معروف بالمنطقة، فيما جرى الإفراج عن أربعة آخرين في حالة سراح مؤقت ريثما تستكمل التحقيقات.
القضية التي هزت الرأي العام ببركان والجهة الشرقية ككل، مرشحة لمزيد من التطورات في الأسابيع المقبلة. ينتظر أن تواصل النيابة العامة تعميق البحث لكشف كافة خيوط الملف وضمان محاسبة جميع المتورطين. السلطات القضائية تسعى أيضا إلى استرجاع الأموال المختلسة التي كبدت الشركة خسائر فادحة، في إطار حماية المال العام وردع كل من تسول له نفسه العبث بموارد المؤسسات العمومية المحلية التي يفترض أن تخدم التنمية والمواطنين.