عقار

تراجع حاد للعقارات السكنية القديمة بالمغرب: 26% في ثلاثة أشهر

اقتصاد الشرق

يشهد القطاع العقاري السكني المغربي حالياً اضطرابات كبيرة. تكشف البيانات التي نشرها بنك المغرب حول مؤشر أسعار الأصول العقارية أن سوق العقارات المستعملة يمر بمرحلة تراجع ملحوظة خلال الربع الثاني من عام 2025.

تشير الأرقام الرسمية إلى انخفاض حاد بنسبة 25.9% في المعاملات العقارية السكنية مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، مما يعكس تراجعاً واضحاً في الطلب على هذا القطاع. يخفي هذا الانخفاض العام تطورات متباينة حسب أنواع العقارات المختلفة. سجلت الشقق تراجعاً بنسبة 17.1% في المبيعات، بينما شهدت المنازل انخفاضاً أكثر حدة بلغ 26.9%.

في هذا السياق الكئيب، يبرز قطاع الفيلات كاستثناء وحيد بتقدم ملحوظ بنسبة 11.4% في المعاملات على أساس سنوي، مصحوباً بارتفاع في الأسعار بنسبة 1.6%. يتناقض هذا الأداء الاستثناري مع الاتجاه العام للسوق.

يكشف التحليل الجغرافي عن تفاوتات مهمة بين المدن الرئيسية في المملكة. تتميز الرباط باعتبارها العاصمة الوحيدة التي تُظهر نمواً إيجابياً بزيادة قدرها 8.2% في المبيعات، مما يشكل شذوذاً في مشهد وطني تهيمن عليه حالة الركود. في المقابل، تجسد الدار البيضاء تماماً صعوبات القطاع بانخفاض قدره 13.8% في المعاملات السكنية، مؤكدة مكانتها كأكثر المدن تضرراً من هذا التراجع.

تتخذ مراكش موقعاً وسطياً بتراجع طفيف قدره 0.5% في المبيعات، مما يشير إلى مقاومة نسبية بفضل تنويع عملائها الذي يجمع بين الطلب المحلي والسياحي. أما طنجة فتواجه التأثير الأشد قسوة بانهيار مذهل قدره 19.2% في المعاملات السكنية.

أمام هذا الوضع المثير للقلق، يقدم المتخصصون في القطاع تفسيرات متباينة. يقلل بعض الخبراء من أهمية هذا الانخفاض بإرجاعه أساساً إلى ظاهرة ظرفية وليس إلى مشكلة هيكلية. وفقاً لهذا التحليل، تخلق آليات المساعدة السكنية المركزة حصرياً على الجديد خللاً على حساب سوق العقارات القديمة. هذا التوجه التفضيلي للطلب نحو المساكن الجديدة يفسر ميكانيكياً الضعف الظاهري لقطاع العقارات المستعملة.

تجد هذه نظرية التحول حدودها في غياب إحصاءات رسمية موحدة حول السوق الجديدة، مما يجعل من الصعب التحقق من فرضية تحويل الطلب هذه. بيانات بنك المغرب تغطي فعلاً العقارات القديمة فقط، تاركة في الظل التطور الحقيقي لقطاع البناءات الجديدة.

يتبنى متخصصون آخرون رؤية أكثر تشاؤماً، معتبرين أن الوضع يتجاوز بكثير مجرد تحويل للعملاء نحو الجديد. وفقاً لهذا المنهج، يواجه سوق العقارات الجديدة أيضاً صعوبات كبرى، مما يشكك في فرضية التعويض بين القطاعين. المساعدات السكنية المحدودة بالعقارات التي تقل قيمتها عن 800 ألف درهم، لا يمكن أن تفسر وحدها حجم الظاهرة المرصودة.

يكمن التحدي الحقيقي في التضخم المعمم لتكاليف الإنتاج الذي يضرب القطاع بأكمله. شهدت الطاقة ومواد البناء والعمالة وحتى الأراضي ارتفاعات كبيرة، مما خلق فجوة متزايدة بين العرض والقدرة الشرائية للأسر المغربية. تولد هذه الحلقة التضخمية مفارقة حيث يتجاوز العرض الطلب، لكن بمستويات أسعار غير متوافقة مع القدرة الشرائية الحقيقية للمشترين المحتملين.

يشكل الضغط الضريبي عاملاً مفاقماً آخر حدده المتخصصون. يواجه المطورون العقاريون تراكماً من الضرائب التي تنعكس حتماً على السعر النهائي للمساكن، مساهمة في المباعدة بين العرض والطلب المدفوع.

تمثل البيروقراطية الإدارية أيضاً عقبة كبرى أمام حسن سير القطاع. التأخير في الإجراءات يحول المشاريع المخطط لها في البداية لسنة واحدة إلى ورش عمل تمتد لثلاث سنوات، مضاعفة تكاليف التمويل ومثقلة بشكل كبير تكلفة العمليات العقارية.

يثير هذا الوضع المعقد تساؤلات حول مستقبل القطاع العقاري المغربي ويدعو إلى تفكير عميق حول التدابير الواجب اتخاذها لاستعادة التوازن بين العرض والطلب. يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه الأزمة تترجم مجرد استراحة للسوق أم تنذر بتحولات أعمق في المشهد العقاري الوطني.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button