هل أصبح الماء عاملاً جديدًا لنفوذ المغرب في القارة الإفريقية؟

اقتصاد الشرق
أصبح الماء عنصرًا استراتيجيًا. في ظل التغير المناخي، لم يعد مجرد مورد يجب إدارته، بل تحول إلى عامل استقرار أو توتر وحتى وسيلة للضغط. يواجه المغرب انخفاضًا حادًا في موارده المائية، مما يضعه في قائمة الدول الهشة. لكن هناك نهجًا آخر يحول التحدي إلى فرصة للإنتاج والتأثير. فمن خلال استخلاص الدروس من تجربة الجفاف، يمكن للمغرب أن يحول هذا التهديد إلى رافعة للنفوذ. ليس فقط لضمان أمنه المائي، بل أيضًا ليصبح مزودًا للحلول في جميع أنحاء القارة الإفريقية
تتفاعل الديناميات الجيوسياسية مع ندرة الموارد المائية، حيث انخفضت الموارد المائية المتجددة بنسبة 60% في بعض المناطق. وتنضب المياه الجوفية. وتكمن المشكلة في أن السياسات المائية تختلف باختلاف المناطق، مع ضعف في التنظيم الفعال. يتفاقم الإجهاد المائي بسبب التغيرات المناخية، والزراعة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، حيث تُخصص نسبة كبيرة من موارد البلاد المائية لهذا القطاع، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع الذي يزيد من الطلب. تشير التقارير الحديثة إلى أن نمط التنمية يحتاج إلى إعادة هيكلة. لكن هذا الضغط ليس حكرًا على المغرب. فعدة دول في الجنوب العالمي (مثل الهند، مصر، جنوب إفريقيا…) تواجه تحديات مماثلة. ما يميز الدول في هذا السياق هو قدرتها على تحويل الأزمة إلى مصدر قوة.
لا يمكن اعتبار هذه الموارد مجرد سلع في الأسواق، بل هي أيضًا أدوات للنفوذ. في السنوات الأخيرة، بدأت السلطات المغربية تحولًا مهمًا. ومن بين الإجراءات الملموسة، تم العمل على تحسين توفير المياه الصالحة للشرب وري الأراضي. كما تم تنفيذ مشاريع لتحلية مياه البحر، وإنشاء شبكات هيدروليكية بين الشمال والجنوب، أو حتى مع أوروبا. تعكس هذه الجهود إرادة الحفاظ على الأمن المائي محليًا. هناك وعي متزايد بإلحاح الإدارة المستدامة للموارد المائية. كما توجد فرص لتحويل البنية التحتية المائية إلى أدوات جيواستراتيجية هجومية. الهدف هو توظيف الخبرات المغربية، وتقديم الحلول، وبناء قوة ناعمة مائية على المستوى القاري، كما حدث في مجال الطاقة.
من الدبلوماسية الخضراء إلى الدبلوماسية المائية: استراتيجية مغربية للقوة الناعمة
نجح المغرب في تحقيق إنجازات كبيرة في مجال الطاقة. فخلال عقدين، تحول من دولة تعتمد على الواردات إلى قائد في مجال الطاقة المتجددة على المستوى الإفريقي. اعتمد ذلك على مشاريع ملموسة مثل محطات الطاقة الشمسية، واستراتيجية دبلوماسية خضراء تم تعزيزها خلال مؤتمر COP22، وشبكة من الشراكات الدولية. أصبح المغرب نموذجًا للسياسات الموثوقة والقادرة على تقديم حلول ملموسة. يمكن لهذا النجاح أن يُلهم استراتيجية مماثلة في مجال المياه. فقد بدأ المغرب بالفعل في تبني منطق الانتقال البيئي والاستقلالية. ويمكن أن يصبح مرجعًا في مجال الأمن المائي، مستفيدًا من عدة مميزات:
- تطور متزايد في تقنيات الري الدقيق.
- مؤسسات عامة قوية (مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء، وزارة التجهيز، الوكالات المائية) قادرة على تعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة المحلية والدولية.
- قدرة على الهندسة الدولية، كما ظهر في مشاريع إدارة المياه بين المغرب والاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين. على غرار الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، يمكن للمغرب إنشاء مركز إفريقي للمياه، يركز على البحث والتكوين التقني. سيكون هذا المركز منصة لتقديم حلول ملموسة للدول الشقيقة، في إطار تضامن فعال ونفوذ جيوسياسي مائي.