من وجدة.. بنك المغرب يرسي أسس تحويلات مالية أكثر شمولاً وتأثيراً على الاقتصاد

اقتصاد الشرق
اختيار وجدة ليس اعتباطياً، إذ يستقطب الشرق حصة مهمة من تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج. كما أن المنطقة تنخرط في طموح بنك المغرب الرامي إلى تعزيز دينامية محلية حول قضايا تحويل الأموال، لاسيما تلك المتعلقة بتطوير آليات أكثر شمولاً وابتكاراً لفائدة المستفيدين.
تلعب تحويلات الأموال دوراً حاسماً في التنمية الاقتصادية، وتساهم بشكل كبير في تحسين ظروف عيش السكان. فهي تخفف من الآثار السلبية للاضطرابات الاقتصادية، وتدعم الاستثمار المحلي، وتعزز سُبل عيش المواطنين.
على الصعيد الدولي، تجاوزت تحويلات الأموال الموجهة للبلدان النامية في عام 2024 أكثر من 685 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساعدات التنمية الرسمية، متجاوزة أيضاً الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتوضح فاطمة الزهراء الشيهبي، رئيسة قسم الشمول المالي والتنمية المستدامة ببنك المغرب: “تسهم التحويلات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بفضل تأثيرها الاجتماعي الاقتصادي الإيجابي على رفاه الأسر ودورها الأساسي في تنمية المجتمعات المحلية”. من وجهة نظرها، تعمل هذه التحويلات كمحفز قوي للشمول المالي، شريطة أن تتم عبر قنوات رسمية يسهل الوصول إليها، وأن تُرفق بسياسات عمومية ومبادرات خاصة تشجع التثقيف المالي، والرقمنة، وإتاحة الخدمات.
غير أن تكلفة تحويل الأموال تشكل إشكالية. ففي عام 2023، بلغ متوسط التكلفة العالمية لتحويل 200 دولار حوالي 6.2%، وقد تصل إلى أكثر من 8% في بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها نقص المنافسة، والتنظيمات الصارمة التي تفرض تكاليف إضافية، وغياب البنى الرقمية الملائمة. كما يشكل الوصول إلى الخدمات تحدياً رئيسياً، إذ من الضروري تقريب خدمات تحويل الأموال من السكان في المناطق النائية لضمان تأثيرها بشكل فعال وآمن.
يُذكر أن المغرب يُعد من بين أكبر البلدان الإفريقية المستفيدة من هذه الأموال، حيث تجاوزت التحويلات 120 مليار درهم عام 2024، أي ما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي. وتلعب هذه التحويلات دوراً محورياً في دعم احتياجات الأسر، وتمويل المشاريع الاقتصادية، والاستثمارات المحلية، والحد من التفاوتات المجالية، لاسيما في العالم القروي.
لدعم هذه الدينامية، وضع بنك المغرب المستفيدين من تحويلات الأموال ضمن الفئات المستهدفة بأولوية مبادرات الشمول المالي، لتأهيلهم وتعزيز كفاءاتهم المالية. ويسعى إلى توجيههم لاتخاذ القرارات المالية الملائمة، وتحديث القطاع، مع تشجيع تطوير عروض مالية ميسورة التكلفة ومناسبة.
تنويع القنوات وتخفيض التكاليف
لدعم هذه الدينامية، اتخذت السلطات العمومية والبنك المركزي عدة إجراءات تهدف إلى تنويع قنوات التحويل وخفض التكاليف. وفي هذا الإطار، استثمر المغرب لسنوات في تطوير بنيته التحتية المصرفية والدفع. فيما يخص مسألة التكاليف، ألغى بنك المغرب منذ عام 2009 جميع بنود الاحتكار التي تربط مشغلي تحويل الأموال الدوليين بشركائهم في المغرب، مما ساهم في خفض رسوم التحويلات بشكل كبير. كما مكّنت الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، التي يشرف عليها بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية، من وضع أسس نظام مالي أكثر شمولاً وأفضل تنظيماً، مع ظهور فاعلين جدد يقدمون حلولاً مالية مبتكرة (الدفع عبر الهاتف، التمويل الجماعي، التأمين الشامل…).
تعظيم أثر التحويلات
بالتوازي مع ذلك، أطلق بنك المغرب مبادرة “Greenback-Maroc” بالشراكة مع البنك الدولي لتحقيق هذه الأهداف، وإنجاح مشروع “DigitRemit” بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، الذي يهدف إلى تعظيم تأثير تحويلات الأموال على الشمول المالي. حيث جرى إطلاق تجربة رائدة بوجدة لوضع خطة عمل جهوية لمعالجة جميع التحديات المرتبطة بالتحويلات وزيادة تأثيرها. وسيتم لاحقاً تعميم هذه التجربة على جميع مناطق المملكة.
وهكذا، ومنذ يناير 2025، يمول الاتحاد الأوروبي مشروع “DigitRemit”، الذي ينفذه الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، لجعل التحويلات أسرع وأكثر شفافية وأماناً وإتاحةً، خاصة لسكان المناطق القروية والنساء والأسر ذات الدخل المحدود. ويؤكد جان كريستوف فيلوري، رئيس قسم التعاون بالبعثة الأوروبية بالمغرب: “طموحنا هو ضمان أن يقدم كل درهم يتم إرساله خدمة ملموسة ودائمة”.