مشروع قانون المالية 2026: مؤشر ثقة الأسر يطلق إنذاراً اقتصادياً

اقتصاد الشرق
على بعد أيام قليلة من تقديم مشروع قانون المالية 2026، تبرز مؤشرات ثقة الأسر المغربية كإشارة تحذيرية تستدعي الانتباه والتأمل. فوفقاً لأحدث أرقام المندوبية السامية للتخطيط، تراجع مؤشر ثقة الأسر بشكل طفيف خلال الفصل الثالث من السنة الجارية ليستقر عند 53,6 نقطة، بعدما كان قد سجل 54,6 نقطة خلال فصل الربيع. هذا التراجع، رغم محدوديته، يكشف عن مفارقة لافتة بين تسارع وتيرة النمو الاقتصادي من جهة، وهشاشة الوضع الاجتماعي المُدرك من طرف المواطنين من جهة أخرى.
يتمثل التحدي الحقيقي الذي يواجه مشروع الميزانية المقبلة في ضرورة ترجمة الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الإيجابية إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية، سواء على مستوى التشغيل أو القدرة الشرائية. فمنذ نهاية سنة 2023، شهد الاقتصاد الوطني انتعاشاً ملحوظاً، حيث حقق نمواً تجاوز 5,5 في المائة خلال الفصل الثاني، ثم 4,3 في المائة في الفصل الثالث، مع توقعات بتحقيق 4,7 في المائة بحلول نهاية السنة الجارية. يستند هذا الانتعاش إلى تعافي الاستثمار العمومي والخاص، إلى جانب دينامية قطاع الخدمات وتراجع حدة التضخم.
غير أن هذا التحسن الاقتصادي يبقى بعيداً عن إدراك شريحة واسعة من الأسر المغربية. فحوالي 78 في المائة من الأسر تعتبر أن مستوى معيشتها قد تدهور، بينما يتخوف 51 في المائة منها من تدهور إضافي خلال السنة المقبلة. هذا الشعور السلبي يعكس واقعاً اقتصادياً يتسم بتوزيع غير متكافئ لثمار النمو، إذ يصعب على الأسر الإحساس بتأثير هذا النمو على دخلها الحقيقي في ظل ركود التشغيل وارتفاع تكاليف المعيشة.
تؤكد معطيات المندوبية السامية للتخطيط هذه المفارقة بشكل واضح، فرغم تسجيل الناتج الداخلي الخام نمواً بنسبة 5,5 في المائة خلال الفصل الثاني، لم يتجاوز نمو التشغيل المأجور نسبة 1,4 في المائة مقارنة بـ 3,4 في المائة في الفصل السابق. فضلت المقاولات، خاصة في القطاعين الصناعي والخدماتي، الاستثمار في تحسين الإنتاجية بدلاً من التوظيف الجديد، وذلك في سياق يتميز بارتفاع تكاليف الأجور وضعف سوق الشغل. بعبارة أخرى، يتعزز النمو دون أن يُترجم إلى خلق فرص عمل كافية، مما يُديم الفجوة بين الأداء الاقتصادي والإدماج الاجتماعي.
على صعيد البطالة، تتوقع 70,5 في المائة من الأسر ارتفاع عدد طالبي الشغل خلال الاثني عشر شهراً المقبلة. أما على المستوى المالي، فإن 59 في المائة من الأسر تصرح بأنها بالكاد تغطي نفقاتها، بينما تضطر 38,7 في المائة منها إلى الاستدانة أو الاستنزاف من مدخراتها، في حين لا تتجاوز نسبة الأسر القادرة على الادخار 2,3 في المائة فقط. وبالرغم من تحسن طفيف، يظل التشاؤم سائداً، إذ لا تتجاوز نسبة الأسر التي تعتقد أنها ستتمكن من الادخار على المدى القريب 9,6 في المائة. بالنسبة للعديد من الأسر، يأتي الاستهلاك على حساب الأمان المالي.
تنعكس حالة الحذر التي تعيشها الأسر المغربية بوضوح في سلوكياتها الاستهلاكية. فحوالي 70 في المائة منها تعتبر أن الوقت غير مناسب لاقتناء سلع معمرة، رغم تحسن طفيف مقارنة بالسنة الماضية. ومع ذلك، سجلت المندوبية السامية للتخطيط ارتفاعاً في الاستهلاك بنسبة 4,1 في المائة خلال الفصل الثالث، مدعوماً بالزيادة في الأجور وتراجع التضخم. لكن هذا الارتفاع لا يعكس بالضرورة عودة الثقة، بل يبدو أن الإنفاق يرتفع بدافع الضرورة أكثر منه بدافع التفاؤل.
فيما يتعلق بالتضخم، رغم تباطؤه إلى 0,4 في المائة على أساس سنوي خلال الفصل الثالث، يبقى إحساس الأسر مختلفاً تماماً عن هذه الأرقام الرسمية. فنسبة 95,7 في المائة من الأسر تؤكد أن أسعار المواد الغذائية، خاصة المنتجات الطازجة، لا تزال في ارتفاع مستمر. بل إن أكثر من 80 في المائة منها تتوقع المزيد من الارتفاعات المقبلة. هذا الفارق العميق بين المؤشرات الإحصائية والإدراك اليومي للمواطنين يبرز أن التحسن على الورق لا يصل بالضرورة إلى موائد الأسر المغربية، مما يستدعي سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر فعالية لردم هذه الهوة وتحويل النمو الاقتصادي إلى رفاه اجتماعي ملموس.