مديريات الضرائب تشن حملة واسعة على المنعشين العقاريين بسبب “النوار”

اقتصاد الشرق
تشهد مديريات الضرائب الجهوية حملة واسعة من المراجعات الضريبية تستهدف المنعشين العقاريين والشركات العاملة في القطاع، وذلك بعد رصد ممارسات مشبوهة تتعلق بتحصيل مبالغ إضافية غير مصرح بها تُعرف محلياً باسم “النوار”. هذه الحملة جاءت نتيجة لعمليات مراقبة ميدانية مكثفة كشفت عن تلاعبات مالية واسعة في القطاع العقاري.
أظهرت التحقيقات أن عدداً كبيراً من المنعشين العقاريين يلجؤون إلى استخلاص مبالغ نقدية إضافية من المشترين دون الإعلان عنها في العقود الرسمية أو التصريحات الضريبية. هذه الممارسة تطال حتى المشاريع السكنية المستفيدة من برنامج الدعم المباشر للسكن، مما يثير تساؤلات حول مدى انتشار هذه الظاهرة في السوق العقارية.
تركزت عمليات المراقبة والتدقيق بشكل أساسي في المدن الكبرى، وتحديداً الدار البيضاء ومراكش وطنجة، حيث تم رصد أنشطة مشبوهة واسعة. الأمر الذي دفع مصالح المراقبة والتحصيل إلى إرسال إشعارات رسمية بالمراجعة الضريبية إلى عشرات الشركات والمنعشين المشتبه في تورطهم.
كشفت عمليات التدقيق عن طرق جديدة ومبتكرة يستخدمها المنعشون لإخفاء هذه المبالغ الإضافية وإضفاء الشرعية عليها. من بين هذه الطرق تحصيل تسبيقات نقدية أثناء مراحل البناء تحت مسمى “مبالغ حجز” يتم إيداعها في حسابات بنكية مقابل إصدار توصيلات مؤقتة، قبل أن يتم سحب هذه التوصيلات لاحقاً وبيع العقارات بأسعار جديدة دون احتساب المبالغ المدفوعة مسبقاً.
أسلوب آخر تم اكتشافه يتمثل في إبرام عقود موازية مع العملاء تحت مسمى “عقود تهيئة” صورية، حيث يتم تقديم هذه العقود كخدمات إضافية أو تحسينات نهائية للعقارات، بينما هي في الواقع وسيلة لتبرير المبالغ الإضافية المحصلة خارج إطار العقد الأساسي.
اعتمدت مصالح الضرائب في عملياتها على تحليل دقيق ومقارن للتصريحات الضريبية المقدمة من المنعشين العقاريين، خاصة فيما يتعلق بأسعار بيع العقارات المعلنة. وقد تبين وجود تباين كبير بين الأسعار المصرح بها والأسعار المرجعية المحدثة من قبل المديرية العامة للضرائب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية.
هذا التباين في الأسعار، الذي يتجه نحو الانخفاض في التصريحات مقارنة بالأسعار الحقيقية، عزز من صحة الشكاوى والإخباريات التي وردت من عملاء تعرضوا للابتزاز بـ”النوار”. هؤلاء العملاء أكدوا أن المنعشين فرضوا عليهم دفع مبالغ نقدية إضافية غير مدرجة في عقود البيع الرسمية.
بناءً على هذه المعطيات، وجهت عناصر المراقبة استفسارات رسمية إلى مسؤولي الشركات العقارية المشتبه فيها، طالبة منهم توضيحات حول ملابسات تقليص مبالغ البيع المصرح بها ومطالبة العملاء بدفع مبالغ نقدية إضافية. كما انتقلت فرق المراقبة إلى مقرات الشركات المعنية لإجراء تفتيش ميداني شامل.
الخطوة التالية تمثلت في بدء مساطر المراجعة الضريبية الرسمية للملزمين الذين ثبت تورطهم في التلاعب بالتصريحات. هذه المراجعات قد تؤدي إلى فرض غرامات مالية كبيرة وإجبار الشركات على دفع الضرائب المتهرب منها بالإضافة إلى الفوائد والعقوبات.
تُعتبر ظاهرة “النوار” شكلاً من أشكال التهرب الضريبي المنتشر بشكل خاص في قطاع السكن المتوسط والراقي، حيث تكون قيم العقارات مرتفعة مما يجعل المبالغ المتهرب منها كبيرة. هذه الممارسات تضر بالخزينة العامة وتخل بمبدأ المنافسة العادلة في السوق العقارية.
يأتي تشديد الرقابة الضريبية في سياق تطبيق إجراءات جديدة منها نظام الرأي المسبق، الذي ينص عليه القانون الضريبي ويتيح للملزمين معرفة مقدار الضريبة المستحقة عند تفويت عقار مقدماً، مما يجنبهم المراجعات الضريبية المستقبلية في حالة الالتزام بالتصريح الصحيح.
هذه الحملة الضريبية تمثل خطوة مهمة في مكافحة التهرب الضريبي وضمان العدالة الضريبية، كما تهدف إلى تحسين الموارد المالية للدولة وضمان شفافية أكبر في القطاع العقاري الذي يشهد نمواً متزايداً ويساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني.