غابة كوركو بالناظور.. تنوع بيولوجي فريد وسياحة بيئية واعدة

اقتصاد الشرق
تحتضن منطقة الناظور كنزاً طبيعياً فريداً يتمثل في غابة كوركو، التي تمتد على مساحة شاسعة تتجاوز خمسة آلاف ومائتي هكتار، وتشكل الرئة الخضراء الوحيدة لسكان المدينة وزوارها. تتميز هذه المحمية الطبيعية بموقعها الاستراتيجي على بعد عشرين كيلومتراً فقط من قلب مدينة الناظور، مما يجعلها وجهة مثالية للباحثين عن الهدوء والاستجمام في أحضان الطبيعة.
يكتسب هذا الفضاء الطبيعي أهمية إيكولوجية وبيولوجية استثنائية، حيث يضم غطاءً نباتياً متنوعاً يشمل أكثر من سبعين صنفاً من النباتات والأشجار، تتصدرها أشجار الصنوبر الحلبي والأرز الأطلسي التي تضفي على المكان رونقاً خاصاً. كما تحتوي الغابة على أنواع نادرة من النباتات الطبية والعطرية التي تنمو بشكل طبيعي في هذه البيئة الجبلية المتوسطية.
لكن ما يضفي على غابة كوركو طابعاً مميزاً ويجعلها محط أنظار الزوار من مختلف المناطق هو وجود قرود المكاك البربرية، هذه الكائنات الفريدة التي تعيش في بيئتها الطبيعية وقد استأنست بوجود البشر. يُصنف هذا النوع من القرود ضمن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، مما يزيد من أهمية المحافظة على هذه الغابة كموطن طبيعي لها.
تتمتع الغابة بإطلالات بانورامية ساحرة على مدينة الناظور والبحر الأبيض المتوسط، حيث يمكن للزائر الاستمتاع بمناظر خلابة تجمع بين زرقة البحر وخضرة الجبال. هذه المشاهد الطبيعية تجذب هواة التصوير الفوتوغرافي والفنانين الذين يجدون في المكان مصدر إلهام لأعمالهم الإبداعية.
يقصد العائلات هذه الوجهة الطبيعية خاصة في عطل نهاية الأسبوع، حيث يستمتع الأطفال بمشاهدة القرود وإطعامها، في تجربة تعليمية وترفيهية فريدة. وقد لوحظ أن هذه القرود تتفاعل بشكل ودي مع الزوار، حيث تقترب منهم دون خوف، مما يخلق جواً من الألفة والتواصل بين الإنسان والطبيعة.
خلال فصل الصيف، عندما ترتفع درجات الحرارة بشكل ملحوظ، تُلاحظ ظاهرة مثيرة للاهتمام حيث تنزل القرود من أعالي الأشجار وتتجمع بالقرب من الطرقات والممرات، باحثة عن قطرات الماء التي يقدمها لها الزوار الكرماء لتروي عطشها. هذا التفاعل الإنساني مع الحياة البرية يعكس الوعي المتنامي بأهمية الحفاظ على التوازن البيئي.
تلعب غابة كوركو دوراً مهماً في التوازن المناخي للمنطقة، حيث تساهم في تنقية الهواء وتلطيف الجو، خاصة خلال موجات الحر الصيفية. كما تعتبر موطناً للعديد من أنواع الطيور المهاجرة والمقيمة، بالإضافة إلى الثدييات الصغيرة والزواحف التي تشكل جزءاً من التنوع البيولوجي الغني للمنطقة.
من الناحية السياحية، تمثل الغابة إمكانية كبيرة لتطوير السياحة البيئية في المنطقة، حيث يمكن تنظيم رحلات استكشافية ومسارات للمشي لمسافات طويلة، بالإضافة إلى أنشطة التخييم المنظم التي تحترم البيئة الطبيعية. هذا النوع من السياحة المستدامة يمكن أن يساهم في التنمية الاقتصادية المحلية مع الحفاظ على الثروة الطبيعية.
تواجه غابة كوركو، كغيرها من المحميات الطبيعية، تحديات عديدة تتطلب جهوداً مستمرة للحفاظ عليها. من أبرز هذه التحديات خطر الحرائق خلال فصل الصيف، والضغط البشري المتزايد، وضرورة إيجاد توازن بين السماح للزوار بالاستمتاع بجمال المكان والحفاظ على النظام البيئي الهش.
تعمل السلطات المحلية والجمعيات البيئية على تنفيذ برامج توعوية لتثقيف الزوار حول أهمية احترام البيئة وعدم إزعاج الحياة البرية. كما يتم تنظيم حملات تنظيف دورية وزراعة أشجار جديدة لتعويض ما قد يُفقد بسبب العوامل الطبيعية أو البشرية.
إن الحفاظ على غابة كوركو ليس مجرد مسؤولية بيئية، بل استثمار في مستقبل المنطقة وأجيالها القادمة. فهذه الثروة الطبيعية تمثل إرثاً حضارياً وطبيعياً يجب صونه وتطويره بشكل مستدام، ليبقى متنفساً طبيعياً للأجيال الحالية والمستقبلية، ومعلماً سياحياً يعكس غنى التنوع البيولوجي في منطقة الناظور والمغرب عموماً.