المغرب يحقق قفزة اقتصادية بـ5,5% في الفصل الثاني من 2025

اقتصاد الشرق
سجل الاقتصاد الوطني المغربي قفزة نوعية خلال الفصل الثاني من سنة 2025، محققاً معدل نمو اقتصادي بلغ 5,5% مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، في مقابل 3% فقط المسجل خلال الفصل الثاني من 2024. ويعد هذا المعدل الأعلى منذ الفصل الثاني من سنة 2017، باستثناء الارتداد الميكانيكي الذي شهدته سنة 2021 عقب جائحة كورونا، مما يعكس تحسناً ملموساً في أداء مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية.
تعود هذه القفزة في النمو الاقتصادي إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها التعافي الملحوظ لعدة قطاعات اقتصادية كانت قد سجلت أداءً متواضعاً خلال الفترة المماثلة من العام السابق. فالقطاع الفلاحي، الذي عانى من تراجع بنسبة 4,4% في الفصل الثاني من 2024، شهد نمواً لافتاً بلغ 4,7% خلال نفس الفترة من 2025. أما القطاع الصناعي فانتقل من نمو محدود بلغ 2,9% إلى قفزة مثيرة بلغت 6,9%، في حين تميز قطاع السياحة بأداء استثنائي مع توسع بلغ نسبته 10,5%.
على المستوى القطاعي الشامل، أظهرت جميع القطاعات أداءً إيجابياً. فالقطاع الأولي، الذي كان قد سجل انكماشاً بنسبة 4,8% في الفصل الثاني من 2024، حقق نمواً بلغ 4,2% خلال نفس الفترة من 2025. وشهد القطاع الثانوي تسارعاً ملحوظاً، منتقلاً من نمو بلغ 3,1% إلى وتيرة أقوى بكثير بلغت 7,4%. أما قطاع الخدمات، فعزز بدوره مساهمته في النمو، حيث ارتفع أداؤه من 4,2% في 2024 إلى 4,8% في 2025.
يلاحظ أيضاً وجود تأثير محفز واضح من عدة قطاعات، خاصة البناء والأشغال العمومية والصناعة، على الخدمات المرتبطة بها مثل التجارة والخدمات الموجهة للمقاولات واللوجستيك. كما ساهم انخفاض حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية (نفقات المقاصة) في تحسين مؤشرات النمو الاقتصادي بشكل عام.
على المستوى النصف سنوي، وبتراكم معدل نمو بلغ 4,8% في الفصل الأول و5,5% في الفصل الثاني، يستقر متوسط النمو الاقتصادي عند مستوى 5,1% خلال الأشهر الستة الأولى من السنة. وتشير التوقعات إلى أن الفصل الثالث من 2025 سيحافظ على نفس الزخم، مع استمرار الديناميكية المسجلة في الصناعة والسياحة والمناجم وخاصة الفوسفاط والبناء والقطاعات الأخرى، وهو ما يوحي بأداء قد يفوق التوقعات الأولية للمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، اللذين كانا يراهنان على نمو يتراوح بين 4,4% و4,6% للعام بأكمله.
غير أن المسار النهائي للنمو في 2025 سيتوقف إلى حد كبير على تطورات الفصل الرابع. فرغم الأداء الجيد للفلاحة خلال الفصلين الأولين، يبقى تطورها في الفصل الثالث وخاصة الرابع رهيناً بالظروف المناخية. وإذا حافظت القطاعات الثانوية والخدماتية على ديناميكيتها الحالية، سيكون من الممكن بلوغ معدل نمو قريب من 5% على مدار السنة بأكملها.
في ظل الأداء الضعيف للصادرات، ساهم الطلب الخارجي بشكل سلبي في النمو الاقتصادي. وكالعادة، شكل الطلب الداخلي أحد المحركات الرئيسية للنشاط الاقتصادي خلال الفصل الثاني من 2025، حيث ارتفع بنسبة 9,2% مساهماً بذلك في النمو الإجمالي. وفي تفصيله، برز الاستثمار الإجمالي بقفزة بلغت 18,9%، مساهماً وحده بـ5,6 نقطة في النمو، وهو رقم قياسي لم يسجل منذ سنوات عديدة.
وهنا تستحق المعطيات تحليلاً أعمق. فالنمو الحالي مدفوع بشكل رئيسي بالاستثمار الإجمالي، الذي يجمع بين الاستثمار الخاص والعام. وفي غياب بيانات دقيقة ومفصلة حول حصة القطاع الخاص، من الواضح أن الاستثمار العمومي يهيمن على هذه الديناميكية. فحصة الاستثمار في الطلب الداخلي انتقلت من 26,2% في الفصل الثاني من 2023 إلى 28% في الفصل الثاني من 2024، ثم إلى 30,5% في الفصل الثاني من 2025.
بمعنى آخر، أصبح ما يقارب ثلث الطلب الداخلي محمولاً بالاستثمار، يشكل القطاع العام أكثر من ثلثيه، وهو ما يتم تمويله جزئياً عبر المديونية. بالتالي، يبقى النمو الاقتصادي مرتبطاً جزئياً بالاستدانة، في حين أن الدور المأمول يجب أن يلعبه الاستثمار الخاص. فالاستثمار الخاص بطبيعته أكثر نجاعة، إذ يخلق فرص شغل دائمة ويساهم مباشرة في المداخيل الجبائية. على العكس من ذلك، يعاني الاستثمار العمومي، خاصة في المغرب كما تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمندوبية السامية للتخطيط، من نجاعة محدودة نسبياً.