استثمار

ارتفاع أسعار الذهب: بين الأرقام القياسية والفرص الاستثمارية المغربية

لم يسبق للمعدن الأصفر أن استحوذ على هذا القدر من الاهتمام. فقد وصلت أونصة الذهب (31.1 غرام) إلى ما يزيد عن 3500 دولار في نهاية غشت 2025، مما جعلها تجسد مرة أخرى الملاذ الآمن الأمثل في عالم تتداخل فيه المعايير الاقتصادية والسياسية.

يعود هذا الارتفاع الاستثنائي في أسعار الذهب إلى عوامل متعددة ومعقدة تهز الأسواق العالمية. فعودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية أثارت موجة من الشكوك حول استقرار السياسات الاقتصادية، حيث تزايدت الضغوط على البنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، مما أضعف الدولار ودفع المستثمرين للبحث عن بدائل آمنة. في هذا المناخ من عدم الثقة، يبرز الذهب كعملة عالمية تتجاوز الخلافات السياسية.

إضافة إلى ذلك، تشهد الأسواق ظاهرة واسعة النطاق تتمثل في قيام البنوك المركزية، خاصة في آسيا والشرق الأوسط، بشراء الذهب بوتيرة متسارعة. هذه المشتريات الرسمية، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار وحماية احتياطيات النقد الأجنبي، تخلق قاعدة طلب غير حساسة نسبياً لتقلبات الأسعار. بالتوازي مع ذلك، يتهافت الأفراد، خاصة في الصين، على شراء السبائك الصغيرة والمجوهرات الاستثمارية، متخلين عن العقارات والأسهم المحلية.

تشير التوقعات إلى أن الذهب سيحافظ على مستوياته المرتفعة، مدعوماً بالمشتريات المؤسسية والطلب الآسيوي. تتحدث بعض السيناريوهات عن إمكانية وصول الأونصة إلى ما بين 3200 و3800 دولار بحلول عام 2027، رغم أن احتمالية حدوث تصحيح في الأسعار تبقى واردة، خاصة إذا شهد الاقتصاد العالمي انتعاشاً قوياً أو ارتفعت أسعار الفائدة الحقيقية بشكل حاد.

وصلت تأثيرات هذا الارتفاع العالمي إلى المغرب بشكل مباشر ومرئي. فأسعار المجوهرات في المحلات التجارية تسجل أرقاماً قياسية جديدة، حيث تراوح سعر الغرام الواحد من الذهب الخام بين 750 و900 درهم حسب الفترات، لكنه يصبح أقل في متناول شريحة من الزبائن بمجرد إضافة تكاليف التشكيل والتصنيع، التي ترفع السعر الفعلي إلى ما بين 1000 و1100 درهم، بل وأكثر للقطع المصنوعة بعناية.

بعد أن استقر سعر الغرام عند 850 درهم، وحتى انخفض إلى ما بين 750 و800 درهم، من المتوقع أن يعاود الارتفاع مجدداً، مما يثير القلق والاهتمام في آن واحد، بين ارتفاع أسعار المجوهرات وظهور استراتيجيات ادخار جديدة.

غيّر هذا الارتفاع السلوك الاستهلاكي بشكل ملحوظ. ففي فترات انخفاض الأسعار، شهدت محلات المجوهرات تدفقاً للعملاء المتحمسين للاستفادة من “نوافذ الشراء”، كما حدث في الأسابيع الأخيرة قبل موجة الارتفاع الجديدة. لكن منذ أن تجاوزت الأونصة (31.1 غرام) 3200 ثم 3500 دولار، ساد الحذر، حيث يأتي كثيرون للاستعلام ومقارنة الأسعار، لكنهم يترددون في الشراء خوفاً من الاستثمار في القمة.

تطور الطلب بشكل واضح، فبينما تحتفظ الحلي التقليدية بمكانتها المحورية، تتجه العائلات أكثر فأكثر نحو إبداعات أخف وزناً وأقل كلفة، أو نحو مجوهرات تدمج قطعاً قديمة تحتفظ بقيمة ادخارية، مثل الجنيهات الذهبية. يعكس هذا التكيف التمسك برمزية الذهب الثقافية والرغبة في الحفاظ على القوة الشرائية معاً.

خارج نطاق الشراء المادي، الذي غالباً ما يكون مكلفاً ومعقداً، تظهر إمكانيات جديدة. تقدم بورصة الدار البيضاء تعرضاً غير مباشر عبر مناجم، المجموعة المغربية المتخصصة في التعدين والنشطة في مجال الذهب في أفريقيا جنوب الصحراء. تستفيد أسهم المجموعة من السياق المؤات للمعادن الثمينة، رغم خضوعها لقيودها التشغيلية الخاصة. أعلنت المجموعة مؤخراً عن إنتاج أول سبيكة ذهبية من منجم بوتو الواقع في منطقة كيدوغو بالسنغال.

خيار آخر أكثر حداثة يتمثل في صناديق الاستثمار المشتركة المرتبطة بأسعار الذهب، التي تقدمها بعض شركات إدارة الأصول المحلية. تتيح هذه الأدوات الاستثمار دون قيود لوجستية، لكنها تبقى محصورة في عملاء متخصصين.

بالنسبة للمدخرين المغاربة المهتمين بالذهب، يؤكد الخبراء على ضرورة اتباع قواعد الحذر. أولاً، عدم اعتبار المعدن الأصفر استثماراً وحيداً، بل يجب أن يبقى أداة تنويع تمثل على الأكثر 10 إلى 15% من محفظة متوازنة. من الأفضل أيضاً توزيع المشتريات عبر الزمن لتخفيف تقلبات الأسعار، بدلاً من الاستثمار بشكل مكثف دفعة واحدة.

في السوق المادية، اليقظة مطلوبة بين هوامش التشكيل ومخاطر التقليد، لذا من الضروري المطالبة بالفاتورة وشهادة الأصالة. أما بخصوص المنتجات المالية، سواء كانت صناديق استثمار مرتبطة بالذهب أو أسهم تعدين مثل مناجم، فهي تنطوي على مخاطر محددة كرسوم الإدارة والتقلبات والتعرض الجيوسياسي، التي يجب تحليلها بعناية.

مقارنة بالبورصة، يتميز الذهب بثباته النسبي ووظيفته كـ”ملاذ آمن”. فبينما يمكن للأسهم أن تقدم عائدات أعلى لكنها تبقى عرضة لتقلبات الأسواق والأوضاع الاقتصادية، يحمي الذهب رأس المال أولاً وقبل كل شيء في فترات الأزمات. رغم صعوبة التنبؤ بسعر الذهب لعامين قادمين، نظراً لاعتماد مساره على الجيوسياسة والسياسات النقدية، يتفق معظم المحللين على فكرة واحدة: سيحتفظ الذهب بدوره المحوري في التنويع وسيستمر في جذب تدفقات رؤوس الأموال الباحثة عن الأمان.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button