المضاربة في سوق اللحوم.. شركات بالناظور حققت الملايير من الأرباح على حساب المستهلك

Économie de l'Est
يتواصل النقاش في المغرب حول قيمة الدعم العمومي الخاص باستيراد اللحوم والمواشي، خصوصا مع استمرار ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق، مما يثير تساؤلات حول نجاعة التحفيزات الحكومية التي تستفيد منها شركات استيراد تدور حولها العديد من نقط الاستفهام. كيف تحولت 1300 مليار سنتيم من الدعم العمومي الذي استهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين إلى هامش ربح إضافي في حسابات شركات لا يتجاوز عددها المائتين؟ من تكون هذه الشركات وما صحة الاتهامات التي تحوم حولها بالمضاربة وتحقيق أرباح على حساب المستهلك؟ لماذا لم تنعكس الإعفاءات ومبالغ الدعم المباشر على الأسعار في الأسواق؟
جولة في الأسواق..
تواصل أسعار اللحوم الحمراء بتسجيل مستويات مرتفعة في مدن جهة الشرق، مما يخلق تحديات يومية للمستهلكين، حيث استقر ثمن لحم الغنمي بالناظور في 150 درهما للكيلوغرام، فيما يتراوح ثمن لحم العجل بين 120 و130 درهما. وفي جولة بالأسواق بوجدة، تراوحت أسعار اللحوم الحمراء ما بين 100 و150 درهما،أما في محلات الجزارة العادية فالأسعار تتجاوز 100 درهم
دعم للمستوردين دون انعكاس على الأسعار..
استوردت المملكة أكثر من مليون رأس من الماشية، منها نحو 167 ألف رأس من الأبقار و906 آلاف رأس من الأغنام، إضافة إلى 1724 طنا من اللحوم الحمراء منها 110 آلاف طن من اللحوم المجمدة، وفقما أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري في البرلمان مؤخرا.
وأكد وزير الفلاحة مرارا أن الهدف من الاستيراد هو ضمان تزويد الأسواق المحلية باللحوم الحمراء والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، إلا أنه اعترف في آخر حضور له في البرلمان باستمرار ارتفاع الأسعار رغم الاستيراد. وأضاف أن الدولة أعفت مستوردي الماشية واللحوم الطازجة من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة، لكنها بالمقابل تركت السوق مفتوحا من دون تفعيل أدوات تتبع ومراقبة.
وتابع “استفاد من هذه الأزمة أصحاب رؤوس الأموال الذين دخلوا غمار استيراد العجول والأبقار رغم أنهم ليسوا من مهنيي القطاع، فاستفادوا من دعم الدولة وصاروا يتحكمون في الأسعار في غياب أي مراقبة أو زجر وفي ظل خلو شروط الاستيراد من مادة تلزمهم بالبيع بثمن محدد ».
حقيقة دعم 13 مليار درهم
عرفت الساحة السياسية نقاشا بين مختلف الفرقاء، واختلفت الروايات حول رقم الدعم المخصص لاستيراد المواشي، بين 13 مليار صرح بها الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة ووزير التجارة رياض مزور، و300 مليون درهم أعلن عنها رئيس مجلس النواب الطالبي العلمي، قبل أن يأتي الرد من الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله و رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية إدريس الأزمي، اللذان كشفا عن وثيقة رسمية قدمتها الحكومة للبرلمان خلال مناقشة مشروع قانون المالية 2025
وتحتوي الوثيقة تفاصيل حول الكلفة التي تحمّلتها ميزانية الدولة، وقد جاء فيها: “وقد ترتب عن هذا الإجراء منذ تطبيقه وإلى غاية 22 أكتوبر 2024، نقص في موارد رسم الاستيراد يقدر ب 7.3 مليار درهم”. أي أن خزينة الدولة قد فقدت هذا المبلغ، وبالتالي هو نفقة أقدمت عليها الحكومة لفائدة مستوردي الأبقار، دون أن ينعكس ذلك على سعر البيع.
وجاء في الوثيقة كذلك، “تحمّلت الميزانية العامة للدولة الضريبة على القيمة المضافة عند استيراد الأبقار ا ما مجموعه 744 مليون درهم، فيما بلغ عدد المستفيدين من هذين الإجرائين بلغ 133 مستفيدا. أي أننا وفي علاقة باستيراد الأبقار فقط، أمام أكثر من ثمانية ملايير درهم. أما بالنسبة للأغنام، فلقد حمل ميزانية الدولة لما يفوق خمسة ملايير درهم، موزّعة بين رسم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة. لنصبح بالتالي أمام رقم رسمي، يقدّر كلفة الدعم غير المباشر لاستيراد الأبقار والأغنام منذ نهاية 2022، يعادل 13 مليار درهم.
أما ال300 مليون درهم التي جاء بها رشيد الطالبي العالمي لدحض أرقام نزار بركة، فهي كلفة إضافية، وتتعلّق بالدعم المباشر البالغ 500 درهم عن استيراد كل رأس غنم لعيد الأضحى، والتي يوضّح وزير الميزانية السابق، القيادي في حزب العدالة والتنمية، إدريس الأزمي، أنها تهمّ استيراد 100 ألف رأس غنم سنة 2023 بدعم مباشر بلغ 50 مليون درهم وأكثر من 474 ألف رأس غنم تم استيرادها سنة 2024، بدعم مباشر بلغ 237 مليون درهم.
فضيحة دولة
اعتبر الخبير الاقتصادي محمد بنموسى أن دعم استيراد اللحوم وإعفائها من الرسوم الجمركية “فضيحة دولة”، وكشف بنموسى أن 13 مليار درهم التي تم توزيعها كدعم على أقل من 200 مستورد، أتاحت لكل واحد من هؤلاء الحصول على متوسط مبلغ يقدر بحوالي 40 مليون درهم.
“بالطبع، هناك مستوردون حصلوا على مبالغ أكبر وآخرون حصلوا على مبالغ أقل، لكن المتوسط هو 40 مليون درهم لكل مستورد، أي أن كل واحد منهم وضع 40 مليون درهم في جيبه دون أن يدفع عنها ضرائب للدولة، وإلى جانب ذلك قام ببيع اللحوم بالسعر الذي يريد، دون أي رقابة أو تقنين! وهذا أمر غير معقول”.
شركات بالناظور حققت أرباحا مثيرة للشكوك
تظهر البيانات التي نشرها المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني (ONICL)، في إطار آلية دعم استيراد الأغنام، والتي تبلغ قيمتها 500 درهم للرأس، إقبالا واضحا على دعم الدولة من قبل شركات من الناظور. وبعد الإطلاع على أسماء الشركات المتواجدة في اللوائح، نجد العشرات منها قد تأسست بعد دخول إجراءات الإعفاء حيز التنفيذ، مما يثير شكوكا في جاذبية النظام للمضاربين
وحتى بين الشركات المنشأة قبل دخول التحفيزات حيز التنفيذ، نجد بعضها قد عدلت قوانينها الأساسية للتمكن من الدخول إلى هذا القطاع الجديد. في الناظور مثلا، أجرت شركة AGRAS المستفيدة من الدعم، والتي تأسست عام 2011 تحت إدارة منصور زيدي، تعديلاً لقانونها الأساسي في ماي 2024. حيث أدرجت استيراد وتربية وتسويق الحيوانات الحية المخصصة للاستهلاك في غرضها الاجتماعي
يكشف تحليل لوائح الشركات المستفيدة ظاهرة أخرى، حيث لوحظ استفادة نفس الأسماء من الدعم بشركات مختلفة، في الناظور دائما، حيث أسس محمد أنو، مدير شركة تربية أنو، شركة إلفانو في غشت 2023؛ والشركتان يمكنهما الاستفادة من الإعفاءات.
بفضل الدعم العمومي، تمكنت بعض الشركات من مضاعفة أرباحها في ظرف وجيز، بين الشركات المستفيدة من الناظور، حصلت الصدرية الفلاحية، التي يديرها سعيد بوداخاني، على 7.3 مليون درهم، مما رفع رقم معاملاتها من 1.1 مليون درهم في عام 2022 إلى أكثر من 56 مليون درهم في عام 2023.
إن الملاحظات الأولية حول الشركات المستفيدة تثير حقيقة مقلقة، حيث تم تحويل هدف برنامج الدعم من خدمة القدرة الشرائية للمواطنين إلى خدمة مصالح دائرة محدودة من الفاعلين الاقتصاديين. وبالتالي فشل نظام صُمم للمصلحة العامة. وتتحمل خزينة الدولة تكاليف ذلك.
ماذا قال السياسيون ؟
الوزير الاستقلالي في الصناعة والتجارة، رياض مزور، قال خلال مشاركته في برنامج “من الرباط“، إن كبار موزّعي اللحوم الحمراء أصبحوا يحقّقون هامش ربح مضاعف، قدّره ب40 درهما في الكيلوغرام الواحد.
وبرّر مزور خروج أمينه العام نزار بركة لمهاجمة هؤلاء التجار، والتحاقه به في وقت لاحق، بمحاولة ممارسة ضغط سياسي والتلويح بورقة التشهير بالمحتكرين كي يتراجعوا عن أرباحهم الجشعة هذه.
“اشتغلنا على الأمر بالمنطق السياسي، واستعملنا أسلوب “name and shame” (عبارة إنجليزية تعني فضح الأشخاص أو الجهات من خلال تسميتهم علنًا وربطهم بسلوك مُدان أو غير أخلاقي، بقصد إحراجهم وتحميلهم المسؤولية أمام الرأي العام)”، يقول رياض مزور في اللقاء نفسه.
من جانبه حزب الأصالة والمعاصرة، حليف آخر لحزب رئيس الحكومة، خرج يوم 12 مارس 2025 ببلاغ يدعو فيه الحكومة إلى إلغاء الإعفاءات الجمركية والضريبية المتخدة لتخفيض أسعار اللحوم، معتبرا أن تلك الإعفاءات “لم تعط أكلها”. كما طالب ال”بام” بتكثيف المراقبة والضرب بيد من حديد على بعض الوسطاء والمهنيين المفسدين الذين لايزالون يستغلون كل إمكانيات علاقاتهم لافتعال الأزمات والانتفاع من وضع المضاربات.
وكان محمد أوجار القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية، أكثر وضوحا في لقاء إعلامي على القناة الأولى عندما أشار بأصابع الاتهام إلى من أسماهم “تجار الأزمة والباحثين عن الربح السريع الذين يمارسون جريمة في حق الوطن والاقتصاد الوطني”، وفق تعبيره. وقال “لا يمكن السماح لثلة قليلة تتاجر في قوت المغاربة وتراكم أرباحا خيالية”، داعيا الحكومة لأن تكون قاسية معهم لأنها تملك من الوسائل ما يكفي للتدخل لإنهاء هذا الوضع.
بل إن الوزير المكلّف الميزانية، فوزي لقجع، اعترف رسميا خلال مناقشة لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب مشروع القانون المالي، بفشل البرنامج في تحقيق أهدافه، وحمّل المستوردين مسؤولية ذلك، حيث دعاهم إلى التفاعل الإيجابي مع إجراءات الحكومة.
لا يزال النزيف مستمرا..
وفي الوقت الذي أعلن لقجع وقف العمل بالدعم المباشر الذي كان يمنح للمستوردين 500 درهم عن كل رأس من الغنم المستورد، فإن الإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة سوف لن يتواصل فقط، بل سيتم إقراره ضمن القانون المالي لسنة 2025.
وتشير أرقام مكتب الصرف المتعلقة بالواردات، إلى تضاعف القيمة الإجمالية لواردات الحيوانات الحية الموجهة لإنتاج اللحوم، أربع مرات خلال فترة يناير-فبراير 2025، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024، وهو ما يعني أن القيمة الفعلية للدعم الممنوح لمستوردي المواشي، يفوق بكثير الرقم المتداول حاليا
وفي ظل عدم نجاعة الدعم الحكومي، يبقى الحل الجذري لهذه الأزمة مثملا في إعادة بناء القطيع المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يتفق معه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، الذي أوضح أن غلاء الأسعار سيظل أمرا واقعا ما لم يتم تربية قطيع محلي، مشيرا إلى أن الجفاف وغيره من الأسباب أدت إلى تدهوره. وأضاف أن كل التدابير التي اتخذتها الحكومة ستكون انتقالية وعابرة في إعادة التوازن للأسعار، وإن الهدف ينبغي أن يكون هو إعادة تربية القطيع.
Edition hebdomadaire de votre magazine



