غرينتش+1 تحت المجهر: خبراء يكشفون الثمن الصحي للمزامنة مع أوروبا

اقتصاد الشرق
منذ اعتماده في 2018، ما يزال الإبقاء على التوقيت غرينتش+1 طوال السنة في المغرب يثير جدلاً واسعاً بين الخبراء والمواطنين. هذا القرار الحكومي الذي تم تطبيقه بشكل دائم منذ سبع سنوات، برر رسمياً بحجج “توفير الطاقة” والرغبة في الحد من التأثير “السلبي” على الصحة الناجم عن التغييرات المتكررة للساعة.
غير أن الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار تبقى غامضة، والنتائج المرصودة معقدة ومتشعبة. الخبراء والمختصون ينقسمون حول جدوى هذا التوقيت، بين من يدافع عن المنطق الاقتصادي ومن يحذر من تداعياته على صحة المواطنين ورفاهيتهم.
تشير الطبيبة النفسية الإكلينيكية وئام بن جلون إلى أن العيب الرئيسي لتوقيت غرينتش+1 يكمن في “تقلص النهار ونقص الضوء الطبيعي، خاصة في فصلي الخريف والشتاء”. هذه الظاهرة لها تبعات خطيرة على الصحة النفسية والجسدية للسكان، حيث تؤثر بشكل مباشر على الإيقاع البيولوجي الطبيعي للإنسان.
عند الأطفال والمراهقين، يمكن أن يؤدي هذا النقص في الضوء إلى تفاقم الاضطراب وإضعاف التركيز في المدرسة وزيادة الحساسية العاطفية. البالغون أيضاً لا يسلمون من هذه التأثيرات، حيث نلاحظ في كثير من الأحيان تعباً منتشراً وانخفاضاً في الطاقة ومزاجاً أكثر هشاشة وأحياناً توترات في العلاقات الاجتماعية.
على مستوى الصحة العامة، قد تساهم هذه التأثيرات الموسمية في زيادة التعب العام واضطرابات النوم وازديادٍ طفيف في التهيج أو القلق، مما يؤثر على الإنتاجية المدرسية والمهنية. هذه المؤشرات تطرح تساؤلات جدية حول التوازن بين المكاسب الاقتصادية والتكلفة الصحية لهذا القرار.
يؤكد خبير الطاقة أمين براده أن القرار الأولي لم يكن “مدفوعاً بشكل رئيسي لأسباب طاقية”. الهدف الأول كان اقتصادياً واستراتيجياً، يتمثل في توحيد أوقات العمل المغربية مع أوقات الشركاء الأوروبيين الرئيسيين مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، لتسهيل التبادلات التجارية. توفير الطاقة لم يكن سوى “حجة ثانوية” في هذا السياق.
مع ذلك، يعتبر أمين براده اعتماد توقيت غرينتش+1 “مفيداً تماماً من وجهة نظر الطاقة”. رغم أن أرقام الدراسة الوزارية لسنة 2019 التي أشارت إلى توفير 37.6 جيجاواط/ساعة في الشتاء قد تبدو متواضعة، إلا أن الخبير يقدر أن التوفير الحقيقي أكثر أهمية بكثير.
الدراسة الوزارية لـ2019 تبقى المرجع العام الوحيد المعروف حول هذا الموضوع. منذ ذلك الحين، لا نعرف ما إذا كانت الدولة قد أنجزت دراسة جديدة أو على الأقل تحديثاً للدراسة السابقة. هذا النقص في البيانات المحدثة يزيد من صعوبة تقييم الأثر الحقيقي لهذا القرار.
يشير الخبير إلى أن “التوفيرات المحققة أكثر أهمية في الصيف منها في الشتاء، على الأقل الضعف”، مقدراً المكسب السنوي الإجمالي بين 0.7% و1% من الاستهلاك الوطني، أي حوالي 430 جيجاواط/ساعة في 2024. رقم ليس بالهين عندما يترجم إلى وفورات في الوقود.
يطرح أمين براده بعداً آخر للنقاش وهو الواقع الجغرافي. من وجهة نظر جغرافية وشمسية بحتة، لا ينبغي للمغرب أن يكون حتى على توقيت غرينتش، كون البلد يقع غرب خط الطول لغرينتش، فهو في المتوسط “متأخر نصف ساعة عن التوقيت الشمسي”. مدينة مثل مراكش، على سبيل المثال، لديها تأخير قدره 35 دقيقة عن التوقيت الشمسي الحقيقي.
لكي يكون متوافقاً تماماً مع الشمس، ينبغي للمغرب أن يعتمد توقيت “غرينتش ناقص 30 دقيقة”. هذا التناقض الجغرافي يضيف طبقة أخرى من التعقيد على النقاش حول التوقيت المناسب للبلاد.
المفارقة الصيفية تبقى نقطة الاحتكاك الاجتماعي الرئيسية، حيث يجبر توقيت غرينتش+1 السكان على “النوم بينما ما يزال النهار ساطعاً”، وهو تناقض مع الإيقاع الطبيعي يصعب قبوله اجتماعياً. هذا الوضع يخلق إرباكاً في الساعة البيولوجية للمواطنين ويؤثر على جودة النوم والراحة.
في الختام، يتبلور خيار توقيت غرينتش+1 حول مقايضة معقدة. من جهة، منطق اقتصادي براغماتي للمزامنة مع أوروبا، مدعوم بفوائد طاقية حقيقية وملموسة. من جهة أخرى، مخاوف مشروعة بشأن رفاهية وصحة المواطنين، خاصة خلال أشهر الشتاء المظلمة.
النقاش يبقى مفتوحاً حول جدوى هذا الخيار على المدى الطويل، خاصة في ظل غياب دراسات محدثة تقيم تأثيره الفعلي على مختلف جوانب الحياة المغربية. الحاجة ملحة لإجراء تقييم شامل يأخذ في الاعتبار جميع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية لهذا القرار المحوري.
نسخة الأسبوع من مجلتكم



