Revue Hebdo OrientalEco نسخة الأسبوع من مجلتكم
الإقتصادية OrientalEco
الجهة

عين بني مطهر.. وكالة ملوية تواجه استنزاف المخزون الجوفي بتدابير صارمة

اقتصاد الشرق

شهدت فعاليات المؤتمر الدولي التاسع عشر للماء، المنعقد بمراكش ما بين 1 و5 دجنبر 2025، نقاشاً علمياً ومؤسساتياً حول التحديات المرتبطة بالضغط المتزايد على الموارد الجوفية في المغرب، خاصة في ظل توالي سنوات الجفاف وتراجع معدلات التغذية الطبيعية. وقد شكل هذا الحدث منصة لتقديم ثلاث وكالات أحواض مائية لاستراتيجياتها في تدبير المخزون الجوفي، ومن بينها وكالة حوض ملوية التي عرضت تفاصيل برنامجها الخاص بطبقة عين بني مطهر، باعتبارها المورد الوحيد للمياه في المنطقة الشرقية من تراب إقليم جرسيف وجرادة.

تعتبر طبقة عين بني مطهر طبقة جوفية أحفورية ذات جودة مرتفعة من حيث نوعية المياه، إذ تتراوح مستويات الملوحة بين 0.5 و2 غرام في اللتر، كما يتفاوت عمقها بين 50 و800 متر. وتبرز خصوصية هذه الطبقة في كونها المصدر الأساسي للماء الشروب داخل الإقليم، إلى جانب استعمالها في النشاط الفلاحي، مما يجعل أي اضطراب في توازنها الهيدرولوجي مؤثراً بشكل مباشر على الاستقرار المائي والاجتماعي بالمنطقة.

منذ الأزمة المائية التي عاشها حوض ملوية ابتداء من سنة 2021، برز توجه مؤسساتي يهم إمكانية ربط هذه الطبقة بشبكات الماء الصالح للشرب لتغطية الحاجيات المتزايدة لمدينتي وجدة وتاوريرت. غير أن التقييم الهيدرولوجي اللاحق أكد وجود اختلال واضح في موازنة مواردها، حيث تم تسجيل معدل تغذية سنوي يقدر بـ 61 مليون متر مكعب، مقابل معدل استغلال بلغ 72 مليون متر مكعب، بعجز سنوي قار يبلغ 11 مليون متر مكعب. هذا الخلل انعكس على مستوى الطبقة بشكل تدريجي، إذ تسجل المعطيات التقنية انخفاضاً سنوياً في مستوى المياه يقارب 0.4 متر منذ مطلع الألفية.

وفي ضوء هذه المؤشرات المقلقة، اتخذت وكالة ملوية، سنة 2024، قراراً يقضي بمنع أي حفر جديد في المجال الجوفي لعين بني مطهر، خاصة في المنطقة المعروفة بالتدفق الارتوازي. ويأتي هذا القرار في سياق ضبط الطلب على المياه الجوفية وتفادي مزيد من الضغط على موارد تستغرق فترات طويلة لاستعادة توازنها الطبيعي.

وتعمل الوكالة اليوم على تأطير الاستغلال الجوفي وفق عقد تدبير تشاركي يوجد في مراحله النهائية، يعتمد على برنامج مراقبة صارم يهدف إلى متابعة تطور منسوب المياه وسلوكيات الاستهلاك عبر منظومة عدادات ذكية، رصد لها غلاف مالي يقدر بـ 30.5 مليون درهم. كما يتضمن العقد خطة للتدبير والتطوير تشمل تحديد مستويات الاستغلال المستقبلية ومعايير قياس الأداء وتوزيع أعباء التمويل بين الأطراف المعنية.

ويأتي التوجه التشريعي والتنظيمي للوكالة في سياق دينامية وطنية أوسع تروم الانتقال من سياسة ردّ الفعل إلى منهجية الاستباق في تدبير الموارد المائية، مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات المناخية التي عمقت من ندرة المياه وأثرت على دورة تغذية الطبقات الجوفية، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة.

ورغم اعتماد الوكالة إجراءات حازمة لحماية طبقة عين بني مطهر من الاستنزاف، إلا أن نجاح هذه التدابير يبقى رهيناً بقدرة الفاعلين المحليين والمؤسسات المعنية على الالتزام بمقتضيات العقد التشاركي، وتنسيق الجهود لضمان استدامة المياه في منطقة تعتمد بشكل كامل على الموارد الجوفية لتأمين احتياجاتها الحيوية.

وبينما تُعد المعطيات التقنية خطوة أساسية نحو ضبط مؤشرات التراجع، فإن المستقبل القريب سيظل مرتبطاً بفعالية نظام المراقبة الجديدة وقدرته على توفير رؤية دقيقة لصناع القرار، بما يسمح بتقييم أثر الإجراءات المتخذة وإعادة ضبطها بصورة تدريجية دون الإخلال بالطلب الاجتماعي والاقتصادي على الماء داخل أقاليم الشرق.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر العودة إلى الأعلى