Revue Hebdo OrientalEco نسخة الأسبوع من مجلتكم
الإقتصادية OrientalEco
الجهة

طبيب واحد لكل 6600 نسمة.. أزمة الرعاية الصحية بجهة الشرق

اقتصاد الشرق

في أعقاب الأزمة الخانقة التي شهدها مستشفى الحسن الثاني بأكادير خلال شتنبر الماضي، والتي تميزت بتردي الخدمات الطبية وارتفاع حالات الوفيات ونقص حاد في مواد التخدير الأساسية، تسلط معطيات الخريطة الصحية لسنة 2024 الضوء على استمرار التفاوتات الصارخة في توزيع الموارد الطبية بين الجهات المغربية، حيث تواجه جهة الشرق، رغم موقعها الاستراتيجي الحدودي، نقصاً حاداً في الكوادر الطبية مقارنة بالجهات الحضرية الكبرى. فبينما تستحوذ جهة الدار البيضاء-سطات على العدد الأكبر من الأطباء في القطاعين العام والخاص بأكثر من 2800 طبيب، تليها جهة الرباط-سلا-القنيطرة بـ1650 طبيباً وجهة فاس-مكناس بـ1200 طبيب، تعاني جهة الشرق من ضعف كبير في الكثافة الطبية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء العاملين بها 350 طبيباً في القطاع العام، أي أقل بثمانية مرات من الجهة الاقتصادية الأولى.

يعكس هذا التوزيع غير المتوازن حقيقة مؤلمة تعيشها ساكنة جهة الشرق، التي يبلغ تعدادها حوالي مليونين و314 ألف نسمة، إذ تسجل نسبة طبيب واحد لكل 6600 نسمة، بينما تحظى جهة الرباط-سلا-القنيطرة بطبيب لكل 2100 نسمة. هذا الخلل الكبير في التوزيع يضع المرضى في جهة الشرق أمام تحديات كبيرة للحصول على الرعاية الصحية المناسبة، خاصة في التخصصات الدقيقة التي تتطلب خبرة عالية.

تزداد المشكلة تعقيداً عند النظر إلى توزيع الأسرة الاستشفائية، حيث تتوفر جهة الشرق على 1200 سرير فقط في المستشفيات العمومية، مما يعني سرير واحد لكل 1928 نسمة، بينما تحظى جهة مراكش-آسفي بسرير لكل 1100 نسمة وجهة الدار البيضاء-سطات بسرير لكل 1350 نسمة. كما تسجل جهة تانسيفت-الحوز 850 سريراً وجهة درعة-تافيلالت 920 سريراً، مما يظهر حجم الفجوة التي تعانيها جهة الشرق في البنية التحتية الاستشفائية.

هذا النقص الحاد في البنية التحتية الاستشفائية يجبر العديد من المرضى في جهة الشرق على التنقل إلى مدن أخرى للحصول على العلاج، مما يزيد من معاناتهم المالية والنفسية.

رغم الجهود المبذولة من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لتطوير القطاع الصحي بجهة الشرق، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه المنطقة. فالقطاع الخاص للصحة في الجهة يبقى ضعيفاً جداً مقارنة بمناطق أخرى، حيث لا يتجاوز عدد العيادات والمصحات الخاصة 45 مؤسسة، بينما تضم جهة الدار البيضاء-سطات أكثر من 180 مؤسسة صحية خاصة، وجهة الرباط-سلا-القنيطرة 95 مؤسسة، وجهة فاس-مكناس 78 مؤسسة.

إن هذه الأرقام تكشف عن حاجة ملحة لإعادة النظر في استراتيجية التوزيع الجغرافي للموارد الصحية، خاصة وأن جهة الشرق تضم عدة أقاليم حدودية تتطلب رعاية صحية خاصة. كما أن الاستثمار في تكوين وتحفيز الأطباء للعمل في هذه المناطق أصبح ضرورة قصوى، إلى جانب تطوير البنية التحتية الصحية وتحسين ظروف العمل في المستشفيات الإقليمية.

تشير التوقعات إلى أن الوضع قد يتحسن تدريجياً خلال السنوات المقبلة، خاصة بعد إطلاق عدة مشاريع لتطوير القطاع الصحي في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. لكن الحاجة تبقى ماسة إلى اتخاذ إجراءات استعجالية لتقليص الفجوة الصحية بين جهة الشرق والجهات الأخرى، ضماناً لحق جميع المواطنين في الحصول على رعاية صحية عادلة وذات جودة.

هذا التوزيع الإقليمي يبرز أن المدن الكبيرة مثل الدار البيضاء والرباط، بفضل بنيتها التحتية المتطورة وجاذبيتها للقطاع الخاص، تركز أغلبية العرض الاستشفائي، بينما تعتمد الأقاليم القروية أساساً على البنى العمومية المحدودة القدرات والخدمات.

الزيارات المفاجئة والإقالات لم تعد كافية، فأزمة أكادير كشفت عن أزمة عميقة قد تنسحب على مستشفيات عمومية أخرى في المملكة. يجب على الوزارة مواجهة المشكلة من جذورها، خاصة زيادة طاقة التكوين عبر فتح كليات جديدة، وتسريع تشغيل البنى التحتية الجاهزة لكن المغلقة، إضافة إلى تسريع المشاريع الجارية والمقررة.

الشفافية تشكل أيضاً أحد التحديات الكبرى لقطاع الصحة، فالممارسات المعروفة المستمرة تضر خاصة بالفئات الأكثر هشاشة التي لا تملك بدائل أخرى. المغرب يستعد لاستضافة أحداث قارية وعالمية كبرى، خاصة كأس العالم 2030 التي تستثمر فيها ملايين الدراهم في البنية التحتية. صحيح أنها مشاريع استراتيجية، لكن الصحة لا تقل أولوية وتستحق اهتماماً ووسائل مماثلة، فهذه الدينامية يجب أن تواكبها بالضرورة خدمات صحية على المستوى المطلوب.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر العودة إلى الأعلى