البنك الدولي يدعم جهة الشرق بـ250 مليون دولار لكسر العزلة وجذب الاستثمار

اقتصاد الشرق
تشهد جهة الشرق تحولاً اقتصادياً هيكلياً بفضل مشروع التنمية الاقتصادية للشمال الشرقي الذي يحظى بتمويل من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار، يستهدف تجاوز عقود من العزلة والفرص الاقتصادية المحدودة. ظلت المنطقة لفترة طويلة متضررة من الانغلاق وضعف الفرص الاقتصادية المحلية، لكنها تنخرط الآن في تحول واسع النطاق. يركز المشروع على تحسين الربط، تعزيز التكوين المهني، وجذب المقاولات، في تغيير مسار واضح المعالم.
في أقاليم الناظور، الدريوش، الحسيمة، وصولاً إلى مرتفعات تاونات وتازة، تشهد الجغرافيا الاقتصادية إعادة رسم. مشروع التنمية الاقتصادية للشمال الشرقي، الذي تمت المصادقة عليه بتمويل قدره 250 مليون دولار، يعتزم تصحيح ما كان يعيق المنطقة بشكل دائم: العزلة الطرقية، عدم الملاءمة بين التكوين وسوق الشغل، تشتت المبادرات الاقتصادية، وصعوبة جذب الاستثمار الخاص.
تندرج هذه الديناميكية في استمرارية رؤية وطنية تضع الحد من الفوارق الترابية وتفعيل أقطاب اقتصادية جديدة في قلب نموذج نمو المغرب. الشمال الشرقي، الذي ظل لفترة طويلة يُنظر إليه كمنطقة طرفية، يمكن أن يصبح فضاءً محورياً.
مشروع مُفكَّر فيه كهيكل بنيوي للتراب
تقوم جوهر المشروع على منطق الاندماج الترابي. لا يتعلق الأمر بوضع أوراش جنباً إلى جنب، بل بتنظيم شروط نمو مستدامة. تنص الاستراتيجية أولاً على وضع خارطة طريق استثمارية متماسكة، تتمحور حول ممر الناظور – الناظور غرب المتوسط. هذا الممر ليس مجرد محور للدوران، بل مُفكَّر فيه كجذع لوجستي مستقبلي يربط الميناء ذا المياه العميقة، ومناطق النشاط الناشئة، والمدن الداخلية، والفضاءات القروية التي تنفتح بصعوبة على الأسواق.
في هذا المنطق، تصبح الطريق أداة للتحول الاقتصادي. إنها تغير تكلفة النقل، وسرعة التبادلات، والوصول إلى الفرص، وبالتالي اختيارات توطين المقاولات. لا يُقاس تحول إقليم فقط بكيلومترات الطرق أو بالملايين المستثمرة، بل يُقاس بالمسارات البشرية.
يقوم مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل بتحديث مراكز بالناظور، تاوريرت، بركان وسيدي معافى من أجل اقتراح شعب تتلاءم مع القطاعات الناشئة: الميكاترونيك، التبريد الصناعي، اللوجستيك المينائي، والتكنولوجيات الرقمية. تضم المنطقة شباباً كثيرين، غالباً ما يكونون غير مرئيين في سلاسل القيمة الرسمية. الرهان هو تحويل التوفر الكبير لليد العاملة إلى ميزة تنافسية.
البنية التحتية كرافعة للتحول الاقتصادي
يتعلق المكون الأكثر التزاماً مالياً بتحسين 250 كيلومتراً من المحاور الطرقية البنيوية. مضاعفة الطريق الوطنية رقم 2 بين الناظور والدريوش وتأهيل الطريق الوطنية رقم 16 بين الناظور غرب المتوسط والحسيمة تخلق عموداً فقرياً جديداً للحركة. هذه الطرق تربط الميناء بالمراكز الحضرية، والمراكز الحضرية بالمناطق الصناعية، والمناطق القروية بالأسواق. الرهان هو رهان فك العزلة، لكنه أيضاً رهان التنافسية. المنتج الفلاحي أو الحرفي أو المصنَّع لا تكون له قيمة إلا إذا كان قادراً على التنقل.
بعيداً عن البنيات التحتية، ينسق المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشرق بناء إطار استقبال مُفكَّر فيه للمقاولات: تحديد العقار المتاح، تبسيط الإجراءات، تحديد سلاسل القيمة الموجهة نحو التصدير، وأجهزة المواكبة واليقظة الاقتصادية. المنطقة لا تسعى فقط لجذب الاستثمار، بل لتوجيهه وفق منطق إنتاجي ومستدام.
يمثل هذا المشروع منعطفاً حاسماً. الشمال الشرقي لم يعد يكتفي بتعويض هشاشته، بل يبني شروط تأكيده. الطرق قيد الإنجاز، ومراكز التكوين قيد التحديث، وأشغال الهندسة الترابية تشهد على نفس الطموح: جعل المنطقة مرئية، ومقروءة، وسلسة، وجذابة. طموح لن ينتج آثاره إلا على المدى الطويل، لكنه يُكتب بالفعل في المشهد.
الناظور غرب المتوسط، العمود الفقري للتحول
يقع الناظور غرب المتوسط على الضفة المتوسطية، ويؤكد نفسه كأحد أعمدة الاستراتيجية الوطنية لتنويع الأقطاب المينائية. مُصمَّم كمركب متكامل، يضم ميناءً ذا مياه عميقة، ومناطق لوجستية وصناعية وخدماتية، ووصلات مخصصة لري داخل التراب. دعوته تتجاوز النشاط البحري فقط، فهو مُفكَّر فيه كمحرك لإعادة التوازن الاقتصادي، قادر على جذب صناعات جديدة، وتوليد مناصب شغل مؤهلة، وترسيخ سلاسل القيمة على المستوى الجهوي.
يندرج مشروع التنمية الاقتصادية للشمال الشرقي مباشرة في هذه الديناميكية. مضاعفة الطريق الوطنية رقم 2 وتأهيل الممر الرابط بين الميناء والحسيمة يسمحان بتسهيل تدفق البضائع، وخفض تكاليف النقل، وربط أحواض الإنتاج بسوق أوسع. الصناعات المستهدفة في برامج التكوين المهني، خاصة في اللوجستيك والميكاترونيك والمهن الصناعية، تم تحديدها للاستجابة للاحتياجات المستقبلية التي يفرضها الميناء.
يصبح الناظور غرب المتوسط بذلك ليس فقط نقطة دخول بحرية، بل أيضاً نقطة ارتساء اقتصادية. إنه يهيكل استراتيجية تنويع التراب، ويعزز وضوحه لدى المستثمرين، ويسمح بإعطاء صياغة ملموسة لهدف طال انتظاره: جعل الشمال الشرقي فضاء للإنتاج والابتكار والتصدير.
نسخة الأسبوع من مجلتكم



